بين ما يريده عون وميقاتي وما يريده الآخرون كيف ستتشكّل الحكومة؟
لا شك ان الرئيس نجيب ميقاتي يعلم الصعوبات التي تحيط بتشكيل الحكومة الجديدة نتيجة «المعايير» والشروط والمطالب التي يطرحها أكثر من طرف سياسي في العلن وفي السر، عدا عمّا يريده رئيس الجمهورية ميشال عون من حكومة آخر العهد، ولعلّه لا يختلف كثيراً عمّا يريده ميقاتي في بعض المواضيع، لا سيما إنهاء التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتعديل خطة التعافي الاقتصادي، ومعالجة وضع المصارف وترسيم الحدود البحرية، برغم الاختلاف حول مواضيع أخرى مثل كيفية التعامل مع حاكم مصرف لبنان والتعيينات الإدارية والقضائية وغيرها.
ad
ولا شك أيضاً ان الرئيس ميقاتي «البراغماتي» والعملي وصاحب التجربة والحنكة السياسية، قادر على تدوير الزوايا الحادّة مع رئيس الجمهورية، خاصة ان الرئيسين طالما أكدا ان علاقتهما سويّة وهناك تفاهم وتفهّم بينهما على كثير من الأمور الإجرائية. لكن مشكلة ميقاتي ستكون في كيفية الموائمة بين إدارة حكومة تصريف الأعمال وما تتطلبه المرحلة من قرارات وخطوات سريعة، وبين تشكيل حكومة جديدة سريعاً تماشياً مع نصّ الدستور، لكن تحيطها علامات استفهام كبيرة وكثيرة حول شكلها، موسّعة أو ضيّقة، سياسية أم مطعّمة بإختصاصيين، هل هي من سيملأ الفراغ الرئاسي لو حصل ولأي فترة طويلة أم قصيرة؟ وهنا تصبح المشكلة أكبر نتيجة صراع «الديوك السياسية الكبيرة» على حجز مكان لها في الحكومة الجديدة سواء تأخّرت الانتخابات الرئاسية، أو جرت في موعدها فيصبح المشكل الجديد حول حكومة العهد الجديد.
ان الأشهر الأربعة الأخيرة من عمر العهد ستشهد تعقيدات ومشكلات كثيرة إذا تأخّر ميقاتي في تشكيل حكومته، ليس أقلّها المشكلات المعيشية والمطلبية التي تفاقمت مؤخراً نتيجة عجز بعض الوزارات عن إيجاد الحلول لها بسبب الأزمة المالية الحادّة التي تعصف بالبلاد، وعدم مبالاة مصرف لبنان والمصارف الخاصة ووزارة المالية. ونتيجة وضع الحسابات السياسية والطائفية الخاصة للأطراف السياسية فوق مصلحة البلاد والعباد. وعليه ستكون أمام الرئيس ميقاتي مهام شاقّة على أكثر من صعيد محلي، عدا التعقيدات والمشكلات التي قد تنجم عن الصراعات والمتغيّرات الحاصلة في الإقليم وفي أوروبا، والتي تنعكس على لبنان مزيداً من الأزمات والتعقيدات كأزمة شحّ القمح والمحروقات وارتفاع الأسعار العالمية لكل السلع، من دون استبعاد عامل الطمع والاحتكار لدى تجار الحروب والأزمات في لبنان والعالم.
المهم كيف سيقارب الرئيس ميقاتي وباقي المسؤولين هذا الوضع السياسي والدستوري المعقّد؟ وكيف ستكون العلاقة بينهم، هل مواجهتها سويّاً بدل مواجهة بعضهم البعض لحين انتهاء عهد الرئيس عون؟ والمهم أيضاً من يكفل أن لا تستمر الأزمات بعد نهاية العهد ومع الرئيس الجديد للجمهورية؟ وهل ستوقف القوى السياسية خصوماتها وتناحرها وكيدياتها وشعبويتها لإستنباط بعض الحلول السريعة للأزمات القائمة؟ ذلك انه من المبالغة تحميل عهد الرئيس عون وحده مسؤولية المشكلات التي جرت خلال السنوات الست من عهده، فالكل شارك ولو بنسب متفاوتة في إيصال البلاد الى ما وصلت إليه. ولعل هذه الممارسات ستستمر مع العهد الجديد والحكومات الجديدة طالما ان المصالح النفعية هي التي تتحكّم بمسار البلاد. وبات من مصلحة الرئيس عون في نهاية عهده تحقيق ما أمكن ضمن الوقت الضيّق لا افتعال مشكلات جديدة. لذلك لا يتوقع الكثيرون أن يعرقل تشكيل الحكومة.
وعلى خطٍ موازٍ، ما زالت فرنسا عاملة بقوة على الملف اللبناني، وذكرت مصادر رسمية متابعة ان زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي المكلف متابعة الملف اللبناني بيار دوكان الى بيروت واردة في أي وقت ولكنها غير مؤكدة حتى الآن، ولم يُحدد أي موعد لها، وهي قيد التداول في أروقة القصر الرئاسي الفرنسي، ولكنه سيحضر الى بيروت في أي وقت لمتابعة ما أنجزته الحكومة اللبنانية على صعيد ملف الاصلاحات البنيوية المطلوبة من صندوق النقد الدولي والدول المانحة، والمشاريع المرتبطة التي أحالتها الحكومة الى المجلس النيابي ولم يجرِ إقرارها أو التي تم إقرارها ولم يتم تنفيذها بعد.
وقالت المصادر: ان دوكان في حال زار بيروت، سيحثّ المسؤولين لا سيما المجلس النيابي على إقرار القوانين الإصلاحية بالسرعة اللازمة لوضع مسار التعافي على السكة الصحيحة.
لكن المصادر أوضحت انه حسب اتصالاتها مع دوائر القرار الفرنسي، فإن الرئيس ايمانويل ماكرون أعاد تفعيل الملف اللبناني بعدما انتهى من معركة الانتخابات التشريعية، لأن هذا الملف ما زال من أولويات فرنسا الخارجية.