لا زال الدور الفرنسي هو الأبرز دولياً في إطار التحرّك لمساعدة لبنان، بعدما لوحظ انحسار الدور الأميركي الذي يعطي الأولوية للحرب الروسية ـ الأوكرانية، وصولاً إلى ما يجري في شمال سوريا، إضافة إلى الإنهيار الإقتصادي العالمي ربطاً بالحرب الروسية، ومن الطبيعي في خضمّ الصراع الأميركي ـ الصيني، أن يحول ذلك دون إيلاء الملف اللبناني التركيز والإنتباه المطلوبين، علماً أن ما أتاح أيضاً لإعطاء الفرنسيين هامشاً واسعاً لكلّ ما يحيط بالملف اللبناني بصلة، غياب أي دور لروسيا حول الساحة الداخلية، بعدما سبق وأن كان لها، ولفترة محدودة، حركة لافتة.
من هذا المنطلق، تشير أوساط مطلعة إلى أن الفرنسيين، وبفعل علاقاتهم وخصوصيتهم التاريخية مع لبنان، فإنهم على بيّنة واطلاع دقيق على الوضع اللبناني بكل أزماته وتشعّباته، ولهذه الغاية، ونظراً لإدراكهم حساسية ما يحدث في هذا البلد، فإنهم يسعون ليكونوا على مسافة واحدة من الأطراف السياسية كافة، ومن كل الإتجاهات، وهذا يشكّل لهم بعض التباينات مع الأميركيين وعدد من الدول العربية وسواهم.
وتنقل الأوساط معلومات متأتية من أكثر من جهة، بأن الرئيس الفرنسي عاد وتلقى دعماً من واشنطن وبعض العواصم الغربية والعربية المعنية بالملف اللبناني، لتكون باريس هي من يمسك بالملف اللبناني، بمعنى أنه أُعيد تفويض الرئيس إيمانويل ماكرون بعد انتخابه لولاية جديدة. وعلى هذه الخلفية، تتوقّع هذه الأوساط، وخلال الأسبوعين المقبلين أن تظهر في الأجواء اللبنانية حركة فرنسية لافتة، أو موقف يتناول لبنان وأزماته إلى الإستحقاق الرئاسي ودعمه، وربما ربط ذلك ببعض العناوين التي على لبنان الإلتزام بها لمساعدته، دون استبعاد وصول موفد فرنسي إلى بيروت بعد الإنتهاء من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة بعد الإنتخابات التشريعية الأخيرة، ووسط تساؤلات ما إذا كانت ستعتمد هذه الحكومة الجديدة النهج الذي كان يسلكه وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، الذي لطالما كان قاسياً وممتعضاً من المنظومة السياسية اللبنانية، إلى تحذيراته المتكرّرة وعبارته الشهيرة بأن «لبنان إلى زوال».
من هنا، تتحدث الأوساط نفسها، عن ترقّب لسياسة الحكومة الفرنسية العتيدة تجاه لبنان تحديداً، خصوصاً أنه لا تأثيرات لماكرون بهذه الحكومة بعد خسارته الإنتخابات التشريعية، وإن كانت السياسات الفرنسية الخارجية تجاه لبنان لا تشهد بين حكومة وأخرى تغيّرات جذرية، ولكن الأداء يختلف والصداقات تلعب دورها.
وبالتالي، فإن الأوساط تشير إلى أن الدور الفرنسي الفاعل على الساحة اللبنانية الداخلية، قد يكون مغايراً من قبل الحكومة الجديدة، وهذا موضع ترقّب من قبل بعض المتابعين والمواكبين لهذه السياسات الفرنسية، والذين يؤكدون بأن تغييراً سيحصل من قبل من سيتسلّم حقيبة الخارجية في الحكومة الفرنسية الجديدة مجتمعة، على اعتبار أنه، وبعد هزيمة ماكرون في الإنتخابات النيابية الأخيرة، سيكون هناك إعادة نظر من قبل حكومته الأولى في ولايته الثانية، بمعنى أن ثمة تقييم للسياسات الخارجية الفرنسية، لا سيما الشأن اللبناني، حيث ينقل بأن البعض في هذه الحكومة سيسألون عن جدوى نجاح ماكرون في إدارة هذا الملف، وبعد زيارتين متتاليتين للبنان ما قبل وبعد انفجار مرفأ بيروت.
وعليه، فإن هناك ترقّب وانتظار في الأشهر الأولى لما ستقدم عليه هذه الحكومة الجديدة، وبعدها ستتبلور أمور كثيرة على صعيد الملف اللبناني، لا سيّما لجهة الإستحقاق الرئاسي والدعم المالي ومصير أموال «سيدر» وسواها من الملفات السياسية والإقتصادية.