Site icon IMLebanon

كلام أميركي – إسرائيلي: ماكرون يعمل مجدّداً على إنقاذ حزب الله

 

 

كلّما عاد الدور الفرنسي إلى الواجهة، يتعرّض لانتقادات من الأميركيين وحتى من الوسط الفرنسي التقليدي. اليوم يضاف إلى هذا المشهد كلام إسرائيلي يتعامل مع التحرك الفرنسي على أنه محاولة لإنقاذ حزب الله

 

الدخول الفرنسي على خط الحرب بين إسرائيل وحزب الله لم يثر انطباعات إيجابية لا لدى إسرائيل، ولا لدى أوساط أميركية فاعلة على خط واشنطن – تل أبيب في مقاربة مستقبل وضع حزب الله.المفارقة أن ردّة الفعل على موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليست جديدة. وإذا كان يجري التعبير عنها لدى خصوم حزب الله في لبنان على أنه لم يقم بأي عمل إيجابي تجاه لبنان سوى تقليد وسام للسيدة فيروز، إلا أنه في الأوساط السياسية والدبلوماسية الأميركية والتأثيرات الإسرائيلية، وبعض ما يجري في أوساط فرنسية تقليدية، يُصنّف على أنه يراكم «إعجابه» بحزب الله و«الدفاع عنه» و«تسهيل الأمور عليه»، إلى حدّ «إنقاذه»، تحت ستار إنقاذ لبنان، من احتمالات تحضّر لها إسرائيل.

يستعيد هؤلاء الوقائع منذ انفجار المرفأ ولقاءات قصر الصنوبر ومحاولات ماكرون إقناع السعودية بانتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وتعيين نواف سلام رئيس حكومة، وفتح فريقه خطوطاً عريضة مع حزب الله، قبل أن تكشف الحرب الأخيرة أنه ما يكاد ماكرون يعيد تموضع فرنسا إلى جانب اللجنة الخماسية أو الرياض أو البيان الثلاثي في نيويورك، حتى يصطفّ مجدداً إلى جانب ترتيب أمور الحزب بالتي هي أحسن. كل ذلك بقي في الإطار السياسي، لكن حين وجّه ماكرون رسالته إلى اللبنانيين بعد اعتداء الـ«بايجر» الإسرائيلي، تلقّفت هذه الأوساط كلامه بامتعاض. ثم أتى تدخله في مفاوضات وقف الحرب الإسرائيلية ليثير أسئلة عن اندفاعة الرئيس الفرنسي نحو «حماية» الحزب في ما تعدّه الأوساط المعارضة أميركياً لوقف الحرب، اللحظات الأخيرة من عمر الحرب، تماماً كما حصل عام 2006 في نسخة مشابهة للتدخلات التي أدّت إلى القرار 1701 الذي استفاد منه الحزب ليقفز فوقه ويعيد بناء قدراته العسكرية على مدى سنوات. ويقال أميركياً كذلك إن المهلة المحددة لمفاوضات وقف النار، التي قد لا تتعدى أسبوعاً وعلى أساسها سافر الرئيس نجيب ميقاتي إلى نيويورك، ليست مفتوحة. لكن فرنسا تعمل على تمديدها، في حين أن الإسرائيليين ينسّقون مع الولايات المتحدة وليس معها، من أجل ضبط إيقاع الحرب وليس وقفها بأي ثمن، طالما أن الأميركيين هم من يعملون على قبض الأثمان والمقايضة بها.

فرنسياً، يمثّل هذا الكلام بالنسبة إلى معارضي سياسة ماكرون في لبنان مناسبة للتذكير بوجود القوات الفرنسية في لبنان، الأمر الذي تتذرّع به إدارة الإليزيه في الحفاظ على توازنات دقيقة مع الحزب. لكن في الوقت نفسه، ثمة انطباع لدى هؤلاء بأن الحزب سرعان ما يضحّي بفرنسا لصالح أي تسوية ممكنة مع الأميركيين على قاعدة التفاهم المنتظر بين الولايات المتحدة وإيران. وثمة خشية مكررة عن المرحلة الأولى للفراغ الرئاسي، في أن يعيد ماكرون الترويج لتسوية رئاسية على قاعدة تبادل التنازلات عسكرياً وخارجياً، فيُعطى الحزب حدوداً لوجوده عسكرياً، ويُعطى في الداخل تسوية تراعيه وتراعي خصومه.

 

لبنانياً كيف يُترجم هذا الكلام؟

لا شك في أن شبح إقامة تسوية مع حزب الله وإيران أمر لا يزال يؤرق خصوم حزب الله، في عز المعركة والردود الصاروخية. ولكنّ الرهان كان على الموقف الأميركي الذي تبلّغته الأوساط المعارضة تكراراً بأن واشنطن لن تسمح لإيران بقبض ثمن أي تفاهم إقليمي في لبنان. وعلى امتداد الصراع العسكري منذ 7 تشرين الأول، كان الكلام نفسه يتردّد في شكل حاسم بأن واشنطن لن تقبل التسليم بملف لبنان لإيران. لكن، في المقابل، كانت واشنطن دائماً تعطي إشارات مباشرة إلى أنها لا تخوض المعركة عن المعارضة، وأصرّت على إبلاغ مراجعيها بأن في قدرتهم العمل على انتخابات رئاسية محلية من دون انتظار تسوية إقليمية أو دولية. ومع الانتقال إلى مرتبة أخرى من الصراع والعمل دولياً على وقف النار، تحوّلت المخاوف الداخلية من أن تعمد واشنطن ومعها فرنسا إلى إعطاء إيران أثماناً في الداخل على حساب صيغة ترتيب عسكري تريح إسرائيل، وتعوّض للحزب داخلياً ما يمكن أن يخسره في أي تسوية. مشكلة المعارضة في عدم تلقّفها منذ تصاعد حدة الهجمات المتبادلة ما يجري خارجياً، وأن لا أفق واضحاً أمامها لخريطة طريق تضعها أمام الدول التي تعمل على التسوية. ما سمعه الفرنسيون والأميركيون من المعارضة تكرار للازمة سياسية هي نفسها. وكأن المعارضة تنتظر من هذه العواصم وضع خريطة طريق لها، في حين أن غيابها عن الطاولة سيضع حزب الله وحيداً عليها. وهذا الأمر ليس ابن ساعته، بل قيل منذ بداية 7 تشرين، بأن لا وجود على طاولة التفاوض إلا لإيران وحزب الله مهما بلغت خسائرهما، لأنهما الطرفان الموجودان فعلياً، في غياب كلي للقوى المعارضة له التي تنتظر إشارة من السعودية أو واشنطن لتقوم بالفرض المتوجب عليها في رسم مشهد سياسي يوازي التطورات. وهنا تصبح واشنطن أمام خيار التفاوض بعد امتناع أشهر طويلة مع طرف حاضر فعلياً بدل انتظار بلا طائل لتحرك المعارضة الفعلي على مستوى الحدث. كل ذلك يتم نقاشه تحت نيران الصواريخ، لأن الاقتناع الأميركي حتى الآن أن لا وقف للنار قريباً، وكل تفاوض يجري اليوم يؤسّس لمرحلة مقبلة وليست له نهايات قريبة.