IMLebanon

«الإمبراطور» والقيصر … والمجانين

بعد حفلة تنصيب «الإمبراطور» دونالد ترامب، الجمعة المقبل، كم «حفلة نصب» يمكن العرب أن يكونوا ضحاياها؟ يسأل قارئ وهو يعدد الكوارث التي تلت إغراق المنطقة في بحور من الدماء. دمرت النكبات بعد «الربيع العربي» سورية والعراق وليبيا، وإن كان من «شراكة» يسعى إليها الرئيس ترامب مع القيصر فلاديمير بوتين، فإمبراطور «البزنس» لم يترك مناسبة إلا ولمح فيها إلى أنه لن يشتري ودّ المنطقة العربية… كل ما يعنيه أن بين المسلمين «إرهابيين»، تقتضي الحرب عليهم خارج الأراضي الأميركية، إغراء القيصر بمزيد من الإعجاب، قبل مشاريع «صفقات».

ألا يكفي التاجر «الشاطر» ترامب، أن خبراء الاختراقات الإلكترونية الروسية حرموا خصومه الديموقراطيين من فرصة لهزيمته في الانتخابات الاستثنائية التي تنقل الولايات المتحدة من حقبة الانكفاء و «القوة الناعمة»، إلى عهد عولمة السياسة والحروب بالتجارة؟

المكسيك والصين أولاً، يصّر التاجر، جدار مع الأولى للتصدي للمهاجرين، وتصلّب مع الثانية في قضية الجزر الاصطناعية للتراجع عن «التلاعب» بعملتها الذي ينافس التجارة الأميركية.

تأفل حقبة باراك أوباما الذي أصابه الملل من إحصاء الجثث في سورية والعراق وليبيا، متفرجاً على اختبار القيصر أسلحته المتطورة، منذ فوّض إليه حسم مصير سورية وهو يظن أنه يبعِد الجريمة الكبرى عن عينيه، وعن أميركا «الناعمة».

وإذا كان السؤال كم تغيّرت الولايات المتحدة، على مدى ولايتين لأول رئيس ذي أصول أفريقية يقيم في البيت الأبيض، فالأكيد أن لا نحن العرب جعلنا الأميركيين أكثر عدلاً وإنصافاً وأكثر ميلاً إلى الدفاع عن الديموقراطية… ولا هم تخلوا عن سياسات منحازة وعنصرية، أو تمردوا على هيمنة الليكودي المتطرف في مؤسساتهم.

ترامب «الإمبراطور» لم يتأخر كثيراً في تقديم الإجابة، والدليل. وليس بلا مغزى أن يتراجع تلويحه بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران، ليعطي الأولوية لما هو قادر على تدشين عهده به… ليس بلا دلالة أن يسرّب فريقه مجدداً إصراره على نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ليس نكاية بالروس حتماً بل بالديموقراطيين الذين ودّعوا البيت الأبيض بخذلان إسرائيل في مجلس الأمن، والامتناع عن التصدي لإدانة الاستيطان.

وبين قيصر روسيا وإمبراطور أميركا المنتصر بالاختراقات الإلكترونية، المغرّد على «تويتر» ضد «فساد الساسة»… بين حروب واحتلالات من سورية إلى ليبيا، ومجانين «داعش» و «القاعدة»، أيمكن العرب الرهان على صفقة ناجحة مع الإدارة الأميركية الجديدة؟

كانت خيبة كبرى أن بوتين تجاهل كل عروض الشراكة مع العرب، لأن كعكة روسيا العظمى هي شأن القيصر وحده. وأحلامه أبعد بكثير من مجرد الانتقام من الغرب، حتى أن بين الأميركيين والأوروبيين مَن يراه «حاكماً للعالم»، يفتح قاعة مجلس الأمن متى يشاء، يحرك الأساطيل عبر المضائق، يسحق معارضات ويفرض التفاوض، ما أن يطمئن إلى حصصه من القواعد العسكرية.

إذا كان مأزق العرب مع بوتين أنه القيصر العنيد الذي لم يعد يعترف بوجود نظام دولي يمكن أن يلجم أحلامه وأساطيله وصواريخه، ولم يعد يحسب حساباً لأسنان القوة الأميركية في العالم، فمأزقهم مع ترامب أن «ملك البزنس» المتهم باحتيالات في التجارة، لن يمانع على الأرجح في تمديد التفويض الأميركي للقيصر ليكمل في ليبيا ما بدأه في سورية، وربما يستعيد عرضاً من المخلوع علي صالح لتوسيع حزام القواعد العسكرية إلى اليمن.

كل ذلك، هل يكون ثمنه مجرد شراكة مع أميركا في الحرب على «داعش»، لكي لا يصل التنظيم ومجانينه إلى الولايات المتحدة؟ وهل يقدّر التاجر الجاهل أن الحرب الدينية بين المسلمين واليهود هي النتيجة الحتمية لاعترافه بالقدس «عاصمة لإسرائيل»؟

أي وعود لطمأنة العرب؟ لا تعطي شعبوية ترامب ولا فظاظته ورعونته أي مؤشر سوى إلى طيش وتخبط وارتباك، قاعدته الجهل بمعاناة العالم من الإرهاب والاستبداد والعولمة المتوحشة… والطموحات القيصرية.

مع ترامب، أي عاصمة سنشيّع بين مدننا المحاصرة بالنار والخراب؟