تنحّى «امبراطور» زوق مكايل نهاد نوفل عن «العرش» بعد 53 عاماً في رئاسة البلدية. في العام 1978، توّج نوفل رئيساً لاتحاد بلديات كسروان ـ الفتوح، فجَمَع المجد من طرفيه على مدى نحو نصف قرن الى أن قرّر ميشال عون «الانتقام» من هزيمة 2010 البلدية، كمدخل لسحب ورقة «اللوتو» من يده.
أخذ «تقاعد» الرجل، أخيراً، كسروان الى ما هو أبعد من نتائج صناديق زوق مكايل وجونية وغوسطا وغزير وكفرذبيان ويحشوش… وريث «الإمبراطور» في رئاسة الاتحاد يشغل بال الكسروانيين أكثر من موقعة جونية نفسها. هل تخرج الرئاسة من ملعب «الزوقيين» أم ينجح جوان حبيش، رئيس بلدية جونية المنتخب، بإعادتها الى حيث يجب أن تكون؟
أضاع العونيون البوصلة في أكثر من مكان، وزوق مكايل التي أعطت عون بأكثريتها في معركة النيابة عام 2009، لم تشذّ عن القاعدة. هناك تنافست لائحتان بين مرشّحين هما أساساً من فريق عمل نهاد نوفل، والأهمّ أنهما قريبان من الرابية.
المنافسة، وفق الرواية العونية، كانت بين ايلي بعينو، نائب نوفل الحالي، الذي وقفت الى جانبه هيئة زوق مكايل في «التيار الوطني الحر»، ووفيق طراد المقرّب من الرابية الذي دعمته «القوات اللبنانية» وقسم من العونيين، فيما قرار «الجنرال» الرمادي، قضى بترك الحرية للناخبين!
الرواية المقابلة تفيد بالآتي «بعينو ليس عونياً، ولو كانت مصلحة «هيئة التيار» مع طراد لكانوا وقفوا الى جانبه، لكنهم اختاروا الفائز سلفاً لكونه مدعوماً من نهاد نوفل و«الكتائب».
بالنتيجة، إيلي بعينو هو مرشّح كل أضداد ميشال عون، على رأسهم منصور البون، بوجه جوان حبيش خيار الرابية الأول والأخير لرئاسة الاتحاد. وهو الخيار الذي على أساسه بنى حبيش «قاعدة» معركته في جونية فـ«اشتغل عليها» منذ البداية، مع العلم أن سمير جعجع أبلغ عون صراحة بأنه غير محبّذ لحبيش، وفي أقصى الأحوال قد يقف على الحياد.
بعد أن وصلت الرسالة الى الرابية، تكفّل عضو المكتب السياسي في «التيار» ناجي الحايك بلقاء جعجع وإبلاغه الآتي: «إذا لم يُقدّر للتفاهم المسيحي الثنائي أن يترجم، حيث كان يجب أولاً أن يُترجم أي في جونية، فهي فرصة اليوم ليأخذ مداه المنطقي والطبيعي في رئاسة اتحاد بلديات كسروان، وإلا «شو إلو طعمة»! ردّ رئيس «حزب القوات» كان مقتضباً «أنا محشور، ولا استطيع السير بجوان حبيش».
مع ذلك، يراهن متابعو الملف في الجانب العوني أن جعجع قد يُعيد النظر بموقفه «فهل يمكن أن يعود إلى حضن الإقطاع بعد أن بدأ يتحرّر منه؟».
لكن القطبة «القواتية» تبقى تفصيلاً أمام خيار نهاد نوفل في الوقوف مجدّداً بوجه «الجنرال» عبر تسخير مقدّراته كافة، بالضغوط والمونة، التي اكتسبها طوال أكثر من خمسين عاماً من أجل المساهمة في «كسر» عون على حلبة رئاسة الاتحاد بعد أن تكتّل الجميع ضدّه في معركة جونية، بمن فيهم سمير جعجع نفسه.
فمنذ قرابة شهرين حصل لقاء غسل قلوب بين عون ونوفل في الرابية وكان يفترض أن يُنهي مبدئياً حالة المدّ والجزر التي سيطرت على العلاقة بين الطرفين طوال السنوات الماضية. وهو لقاء شكّل ربما إحدى قطب «الانفصام» الذي سيطر على العونيين في معركة زوق مكايل البلدية.
لكن الرابية تبدو متفاجئة اليوم برغبة نوفل بـ«فتح مشكل» مجدداً مع ميشال عون، عبر تبنّي ترشيح بعينو، وتعيد ذلك إما الى أن الرجل «هاوي مشاكل» أو أنه «خبّص» كثيراً ويريد أن يصل الى الرئاسة من يمكن أن يغطّيه إذا فتحت الملفات».
يمتدّ مسلسل العتب الى رئيس البلدية الفائز «العصامي»، كما يصفه بعض العونيين، لافتين الى الدعم الذي تلقاه بعينو من جزء من «التيار» في الانتخابات، فلماذا يذهب الى مواجهة مع «الجنرال» الذي فتح له يديه، مع العلم ان بعينو كان على اطلاع على خيار الرابية، في وقت يجزم فيه البعض أن عون فاتحه شخصياً بالموضوع خلال لقاء بينهما.
ويحاول العونيون استيعاب ماذا يمكن أن يجنيه مرشح نهاد نوفل ومنصور البون الى رئاسة الاتحاد من خلال معاداة نائب كسروان ورئيس أكبر كتلة مسيحية وقطع الجسور مع العميد شامل روكز، غير مراضاة نوفل «الذي انتهى عملياً بالسياسة» فيما الخسارة ستكون من نصيبه.
القيادة في الرابية مرتاحة لـ «بوانتاج» البلديات المنضوية تحت سقف الاتحاد. المفارقة أنها تتشارك الارتياح نفسه مع منصور البون الذي نسج على امتداد عمله النيابي والخدمي شبكة علاقات قوية مع غالبية قرى القضاء، وبدرجة أقل فريد هيكل الخازن.
«حالة شامل روكز» تفرض نفسها، حيث يستفيد الأخير ممّا جناه تواصله المنظّم مع عونيين وغير عونيين في بلدات القضاء، وبالتأكيد يمكن الجزم أن معركة الاتحاد هي الاستحقاق الأهمّ بالنسبة اليه بعد جونية. أما «القوات» و «الكتائب» فيتشاركان همّ إثبات الوجود أكثر على هذه الحلبة المارونية.
لا تتردّد أوساط مقرّبة من عون، بالقول إن منصور البون خسر علاقته المستجدة مع شامل روكز، وخسر بلديات الفتوح ومصداقيته مع حلفاء يتّهمونه بأنه «لم يُعطِــهم» في بلدية جونية كما يجب، وعمّق الجرح أكثر مع «التيار» الذي كان جزءاً كبيراً منه يعتبره من «دائرة الأصدقاء»…
لا أحد من الأطراف السياسية يفصح عن حقيقة «البوانتاج» الذي يملكه لـ 54 بلدية تتألّف منها رئاسة الاتحاد. لكن الجميع يعترف بأنها ستكون معركة قاسية.
البون أكثر من مرتاح و «المعركة سأربحها. في جونية حصّلت حصتي، ولولا دعم «الكتائب» وعدم نزول «القوات» بثقلها لسقطت لائحة جوان حبيش كلها»، معتبراً بأن معركة رئاسة الاتحاد تختصر بـ «مَن سيركب الكميون ويسير به..»!
اليوم السبت سيكتمل عقد انتخاب رؤساء بلديات كسروان، حيث يتوقع أن يتمّ انتخاب رئيس الاتحاد منتصف الأسبوع المقبل. وبخلاف أقضية أخرى، حيث تبقى بعض البلديات خارج مدار الاتحاد، فإن بلديات كسروان الفتوح كافة معنية بالاستحقاق لكونها كلها أعضاء بالاتحاد.
وتنطلق الرمزية الأساسية لرئيس الاتحاد، المدير الاداري لكسروان، ومفتاح الفرج او النكد لنواب ووزراء ورؤساء البلديات، من البلدية نفسها التي يمثّلها رئيسها وحجمها وموازنتها ومن شخصية «الريّس» ومروحة علاقاته وخدماته وشبكته العنكبوتية في قرى القضاء، فيما «الكلمة المسموعة» في هذا الاستحقاق تكون للبلديات الكبيرة.