يبدو غريباً المشهد الراهن، في ظاهره على الأقل: بعد يومين من اتهام وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إيران باحتلال العراق، تخرج من طهران، أصوات لتؤكد ذلك! وتنفخ فيه بطريقة استعراضية تشبه تلك التي يعتمدها التجّار للدلالة على بضاعتهم!
والواقع، أن طهران لا تتشبه بالتاجر إنما تعتمد منطقه تماماً في تصرفها مع الجوار العربي، ومع ما تدّعيه من أدوار وأوراق وامتدادات ونفوذ، في العراق أو سوريا أو ضفاف البحر الأبيض المتوسط، سوى أن «بضاعتها» هي أمم ودول وشعوب عربية وغير عربية وإسلامية وغير إسلامية، والشاري أو المقايض المُفترض، هو الولايات المتحدة خصوصاً وتحديداً، والغرب عموماً. والسوق المفتوحة تحكمها مصالح وأنانيات وتغيب عنها الضوابط، أكانت هذه إنسانية أو أخلاقية أو دينية.
لكن لا تتشاوف إيران بنفوذها و»إمبراطوريتها» و»بضاعتها»، لأنها فقط، محكومة بالمبالغات في كل شأن، وتبدو دائماً في حاجة الى تأكيد ثقتها في ذاتها وتاريخها من خلال ذلك الأداء المتطرف والمأسور بتضخيم تلك الذات.. أو لأنها في سياق تصفية حساب قديم مع جوارها العربي، أو في سياق نكدها الذي يشبه نكد المأزوم برغبته في امتلاك ما لا يملك ثمنه، أو في بلع ما لا يقدر على هضمه، فيذهب الى رعونة صافية.. وإنما تفعل ما تفعله وتقول ما تقوله، راهناً، على الأقل، من أجل توظيف ذلك كله، في سياق شدّ الحبال الضاري في الشوط الأخير من مباراتها التفاوضية الخطيرة والمصيرية مع واشنطن والمجتمع الدولي.
وهي بهذا المعنى، تضع كل أوراقها على طاولة المفاوضات دفعة واحدة. وتحاول أن تقول للقريب والبعيد، مباشرة ومواربة، بأنها تملك مفاتيح استقرار المنطقة أو زيادة اشتعالها. وبأن البديل من الاتفاق النووي، ورفع العقوبات القاسية والكاسرة والشديدة التأثير عليها، سيعني اشتداد حدّة المواجهات الدائرة والاصطفافات المدمّرة، والتي، وإن كانت تكلفها مالاً وسلاحاً وبعض الرجال، فإنها في العموم والإجمال، تجري خارج حدودها الجغرافية.. وبالواسطة!
.. الغريب (فعلاً) هو أن إيران، تذكّر بالتاريخ وتنسى جدليته.. وتتحدث عن صعود «إمبراطوريتها»، وتنسى حيثيات أفولها! لكنها في الإجمال، تتآلف مع ثقافتها: تبالغ وتتطرف في كل شيء، ولا تعرف معنى الوسط الذهبي، ولا الحكمة الخالدة القائلة بأن الزمن دوّار والثابت هو الخالق وحده!