IMLebanon

موظف وتابع!

لم تجد إيران حاجة لإرسال مسؤول أرفع مستوى من نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والإفريقية حسين جابر أنصاري إلى دمشق من أجل إبلاغ تابعها رئيس سوريا السابق بشار الأسد بنتائج اجتماع موسكو الثلاثي الروسي – التركي – الإيراني.. وقبل ذلك كان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يكتفي من جهته بإطلاع السفير الأسدي رياض حداد على تلك النتائج!

يعني حتى بالشكل، لم يُراعَ خاطر الأسد من قِبَل سانديه الاثنين! ولم تؤخذ في الاعتبار ضرورة حفظ شيء من ماء الوجه له! وهو المنتشي بـ»انتصار» حلب! والمستمر في لعبة الادعاءات الكبرى! والمصرّ على مواصلة «حرب التحرير» حتى آخر شبر من أرض سوريا فيما بالكاد يتمكن من أن يطل برأسه خارج أسوار حصنه الدمشقي المدرّع!

وتلك واقعة تستحق الشماتة التامة والكاملة! ثم بعد ذلك تستحق الأخذ بها كدلالة واقعية على أن «ما قبل حلب هو غير ما بعد حلب»، بالفعل!! وأن عروة «المحور» الثلاثي بدأت تنفتق على مستويين، وكل منهما مُغمّ ومرير لرئيس سوريا السابق.

اجتماع موسكو لوزراء خارجية ودفاع روسيا وتركيا وإيران دلّ (في المستوى الأول) على أن موسكو تضع مصالحها فوق الأسد وقبله وبعده.. وفوق إيران وقبلها وبعدها. وأن تلك المصالح تستدعي تمويت العداوة مع الأتراك. ثم ترجمة ذلك في سوريا نفسها من خلال التأكيد مرة أخرى على أن معركة حلب هي خطوة على طريق «الحل السياسي» وليس «الحسم العسكري»! وأن ذلك يعني لجم مناحي تكسير الوقائع الديموغرافية والجغرافية السورية التي تطلبها طهران وتابعها الدمشقي بهيجان مريض ومَرَضي.

ولا ضير (مجدداً) من «تذكير» أباطرة الاحتفالات الإيرانية الأسدية الكيدية الصاخبة والمعيبة والمسفّة بـ»انتصار» حلب، واعتباره فتحاً مذهبياً تاماً لأحد أبرز معاقل الإسلام الأكثري العروبي في الجغرافيا والتاريخ.. بأن مصالح روسيا، التي لولاها، عسكرياً وسياسياً، لما تقدموا شبراً واحداً على الأرض، مثلما كان حالهم على مدى أربع سنوات.. هذه المصالح تضع إسرائيل قبلهم بالتأكيد العنيد. و»أمنها» في الصدارة. و»مصالحها» فوق مصالحهم! وأن بعض الحياء، إذا أمكن، هو واجب الوجوب من قِبَلهم!

المستوى الثاني للفتق في عروة ذلك المحور، والذي وسّع اجتماع موسكو مساحته، هو أن إيران تتصرّف مع الأسد مثلما تتصرّف روسيا معها! تضع مصالحها قبله وبعده وفوقه وخلفه وأمامه! ورفقة الدرب بينهما لا تصل إلى مكان واحد إذا استدعت تلك المصالح الافتراق.. والخناجر المسنونة في كل حال، في حزام كل منهما: تعرف إيران أن الأسد الذي غدر ببلده وناسه لن يعوّف الغدر بها إذا أعطته إسرائيل أو الولايات المتحدة مظلة أمان واستمرار! ويعرف هو على الجانب الآخر، أن سوريا «استثمار» لإيران. وهذه مثل أي تاجر شاطر، تبحث عن الربح وليس الخسارة! والاختيار بين الأمرين لا يحتاج إلى شرح! وإذا استدعت متطلبات «الانتصارات الإلهية» الرضوخ لمنطق الدوليين الكبار في اعتماد مسار «الحل السياسي» بخواتيمه الحتمية (مهما طال الزمن) فإنها (أي إيران) لن تتردد إزاء الأسد، في لعب دور الشرطي التركي خلف السفير الروسي في أنقرة!

واضح أن حليفَي الأسد لا يعتبرانه أكثر من تابع.. وهذا لا يحتاج سوى إلى موظف برتبة نائب وزير خارجية لـ»إبلاغه» فحوى اجتماع موسكو الخاص بسوريا! وبعد أن عُرفت تلك الفحوى من قبل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية.. على الأقل!