الرئيس سعد الحريري الذي استقال تجاوباً مع مطالب الناس، كما قال، يتجاهل حتى الآن حقوق الموظفين في تلفزيون «المُستقبل» حتى بعدَ إقفاله. هؤلاء نفذوا أمس «ميني» اعتصام اعتراضاَ على عدم دفع الإدارة للرواتب والمستحقات، بعد اجتماع لهم بمدير القناة الذي طالب للمرة المئة إمهاله 48 ساعة. في مقابل ذلك، اتفقوا في ما بينهم على التصعيد في الأيام المقبلة
يجلِس أحد الموظفين السابقين في تلفزيون «المستقبل» على الناصية المجُاورة لمبنى القناة الأبيض القديم في شارع سبيرس. يبدو مُتعباً، إلا من عهدٍ أخذه على نفسه ألا يتنازَل عن حقوقه. ليس عنده شيء ليخسره. ماذا سيخسر الإنسان أكثر من عُمر أضاعه في «خدمة» مؤسسة قرّر مالكها مكافأة الوفاء بالجحود؟ لا شيء. السبيل الوحيد إذاً «النضال من أجل استرجاع آخر قرش».
إنها الساعة الواحدة والنصف بعدَ الظهر. تقطَع السيارات طريقها بصعوبة. يظُن المارون من هناك، أن عدوى قطع الطرقات وصَلت الى هنا، فجسر «الرينغ» الذي أصبَح رمزاً جغرافياً لـ«الثورة» بعيد مسافة قصيرة. لكن ما يحصَل في هذا المربّع مختلِف قليلاً. إنهم مجموعة شبان. نحو 50 موظفاً وجدوا أنفسهم في عِداد العاطلين عن العمل، بعدَ أن قرّر الرئيس سعد الحريري إقفال تلفزيون المستقبل، وتجاهل أصوات الناس التي بقيت لأكثر من عام من دون رواتِب. لماذا العدد قليل؟ يُجيب الموظّف بأن «الوقفة اليوم ليسَت اعتصاماً بالمعنى الحرفي».
ما حصَل أن يوم الجمعة الماضي عُقد اجتماع بين مجموعة من الموظفين في القناة مع مديرها العام رمزي الجبيلي. يتصّرف الموظفون حتى الآن بكثير من الإيجابية. حتى أنهم خلال اللقاء لم يطالبوا بتسديد ما يتوجّب على المؤسسة من رواتب وتعويضات. كل ما قاله هؤلاء في اجتماعهم انهم «يريدون خريطة طريق للحلّ»، وكانَ الجواب «الإنتظار حتى يوم الإثنين، الى حين التحدث مع الحريري والحصول على قرار بشأنهم، على أن يعقد اجتماع آخر (أمس)»، مع المطالبة بعدم القيام بأي تحرّك ميداني. حضر الموظفون بحسب الإتفاق عند الحادية عشرة، لكن اللقاء تأخر بعض الوقت بسبب قطع الطرقات. بعدها دخلوا لمقابلة الجبيلي مرة جديدة. ظنّوا أن في جعبة الأخير ما يريحهم، لكن «مندوب» الحريري طلب مرة جديدة، إمهاله 48 ساعة للتشاور مع الحريري والعودة إليهم، الأمر الذي استفزهم ودفعهم الى الاعتصام قرب مبنى القناة لبضع ساعات.
تذّمر الموظفون ممّا وصفوه بـ «إبرة بنج، ووعود لم تعد تنطلي على أحد». فهم منذ سنة تقريباً يجاهدون في سبيل استحصال حقوقهم المتراكمة كاملة، والتصدي لكل محاولات الإدارة تخديرهم، فيما تقابلهم الإدارة بالكذب. الحريري نفسه لم يُفكّر بالإستماع الى مطالب الموظفين في مؤسساته، ولم يهتم للمئات ممن صاروا رهينة لديون المصارف أو ديون الأقارب والأصحاب للتعويض عن عدم تقاضي الرواتِب. لم ينتبه رئيس تيار المُستقبل الى صرخات الذين طُردوا خارج منازلهم بسبب التخلف عن دفع الإيجار، أو الى الذين اضطروا للاستغناء عن سيارات قيد التقسيط بعدَ مصادرتها من قبل البنوك والشركات، ولا الى الذين باعوا أثاث بيوتهم لدفع أقساط مدارس أولادهم. كل هذه المصائِب كان الموظفون يبتلعونها بصمت، وهم يسمعون «خبريات بتشيّب من بيت الوسط وعنه».
مجدداً طلب الجبيلي إمهاله 48 ساعة للتشاور مع الحريري والعودة إليهم
كل موظف وقَف أمس أمام المبنى كفيل بأن تُكتب عنه قصّة لوحده. قصّة عامِل استمر في ممارسة مهنته من دون تخلّف عن الواجب، وكأن «كُتب عليه العمل ببلاش». آخر الدفعات المتقطعة كانت في 24 حزيران الماضي. في الواقع كان نصف راتب، ثم استحصل الموظفون على نصف راتب آخر في 29 تموز. وفي 15 أيلول تبلغوا قراراً بإعادة الهيكلة ودفع التعويضات كاملة، على أن يتمّ تقسيمها كالآتي: 10 في المئة دفعة أولى والباقي تتوزع على أكثر من 20 دفعة، فيما تبيّن أنها وعود بلا جدوى.
رفض الموظفون مهلة الـ 48 ساعة. وقرّر بعضهم البقاء أمام المبنى، وإستكمال الوقفة الإحتجاجية، على أن يتمّ التنسيق مع باقي الموظفين الذي يبلغ عددهم حوالي 400. منهم من صرف سابقاً، أو تقدّم باستقالته ولا تزال له في ذمة المؤسسة أموال لم يتقاضاها. لا خطة واضحة عند المعتصمين، إذ لا لجنة تنظّم تحركاتهم، لكنهم على ضوء التطورات سيقررون شكل التصعيد، بحسب ما يقول البعض منهم. الغريب أن الموظفين يرفضون التظاهر أمام منزل الرئيس الحريري في وادي أبو جميل، مبررّين ذلك بأن «مشكلتهم ليست مع جهة سياسية، إنما مع إدارة القناة، فهي الوسيط بينهم وبين الحريري»!
من ملف : قطع الطرقات: تحدّي السلطة… والحراك