الجنرال قاسم سليماني كان سبّاقاً في قراءة الإنتخابات النيابية اللبنانية بصوت مرتفع. لم يرتكب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني غلطة حسابية حين تحدث عن أكثرية ٧٤ نائباً لحزب الله. ولا ما رآه بعد الإنتخابات سوى نقلة من حزب مقاومة الى حكومة مقاومة. لكن الذين أحرجهم هذا الكلام الصريح لجأوا الى الصمت. أما الآن، بعد التعثّر طويلاً في تأليف حكومة ترضي هذه الأكثرية، مع تسارع التطورات الدراماتيكية في حرب سوريا لمصلحة النظام، فإن الساعة دقّت لنزع القفازات. والمطلوب انتقال لبنان الرسمي من مرحلة النأي بالنفس عن صراع المحاور الإقليمية الى مرحلة توظيف صراع المحاور وما انتهى إليه في بنية الحكومة وسياستها.
وليس هذا ما يستطيعه ويريده الرئيس المكلف سعد الحريري ومن معه. ولا مهرب منه، كما يرى حزب الله ومن معه. فالحريري كان ولا يزال يبحث عن حكومة متوازنة تعكس استمرارية التسوية السياسية التي جاءت بالعماد ميشال عون الى قصر بعبدا وإعادته هو الى السراي. فضلاً عن ان تكون قادرة على محاورة الشرق والغرب والإفادة من مساعدات العرب والغرب التي يحتاج إليها لبنان. والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يتحدث عن محور منتصر ومحور مهزوم في المنطقة. المحور المنتصر يمتدّ من بيروت الى طهران مروراً بدمشق وبغداد وصنعاء وله قائد واحد، وحزب الله عامل مهم في انتصاراته. والمحور المهزوم يضم حلفاء الحريري ومن معه.
ومن هنا جاء التلويح بقلب الطاولة في صيغة نصيحة: شكّلوا اليوم حكومة العهد التي تعكس نتائج الإنتخابات، وتكيّفوا مع التطورات في سوريا، أو واجهوا مطالب أكبر. فما يلوّح به حزب الله هو التخلي عن التواضع في مطالبه من الحكومة لجهة العدد. وما يهدّد باللجوء إليه هو تسييل انتصاراته الإقليمية في اللعبة الداخلية لجهة سياسة الحكومة وحتى لجهة سقف النظام الذي لم يعد ملائماً لقوة أقوى من جيش اسرائيلي حسب السيد نصرالله.
ولا أحد يجهل ماذا تعني حكومة بين منتصر ومهزوم. والسؤال هو: لماذا يحتاج المنتصر الى ان يشاركه مهزوم؟ والجواب هو بالطبع تركيبة لبنان الاجتماعية والتوازنات التقليدية طائفياً وسياسياً. وهذا ما يقود الى حكومة متوازنة. فالوطن الصغير يحتاج الى البقاء في الموقع الوسط بين المحاور الإقليمية والدولية. وأية محاولة لضمّه الى هذا المحور أو ذاك هي خطر مصيري عليه.
وما أكثر الأخطار وأقل الفرص. وليس قدرنا ان نكون أسرى مَن يريد السلطة للسلطة ومَن يريد السلطة من أجل مشروع مستحيل.