فضيحة التوظيف الإضافي في الدولة، رغم وجود قانون يمنع ذلك، لن تصل الى خواتيم مُرضية على ما يبدو، لا في محاسبة الوزراء الذين ارتكبوا المخالفات، ولا في طرد مَن استفاد من التوظيف في هذه الحقبة، لأن مثل هذا التدبير دونه موانع سياسية وربما قانونية.
تعقد لجنة المال والموازنة جلستين متتاليتين يومي الاربعاء والخميس المقبلين لمناقشة تقريرَي التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية والمتعلقين بالتوظيف والتعاقد في الادارات والمؤسسات العامة الحاصلين بعد صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب في شهر شباط 2017، الواردَين الى اللجنة بعد طلبهما إثر جلستها التي انعقدت بتاريخ 1/10/2018.
وبات من المعلوم أنه تمّت مخالفة القانون 46/2017 الذي أقرّ سلسلة الرتب والرواتب ومنع التوظيف في الادارات العامة، حيث تمّ ادخال حوالى 5 آلاف متعاقد الى الادارة خلال السنتين الماضيتين.
وكان التفتيش المركزي وجّه بناءً لتكليف من لجنة المال والموازنة، كتاباً الى كل ادارة عامة يطلب فيه الكشف عن عدد الموظفين الذين جرى توظيفهم بعد آب 2017. وتولّى فريق داخل الجهاز الاتصال بكل ادارة غير متجاوبة، لتتعاون وتكشف الارقام التي بحوزتها.
وكشف التفتيش المركزي أنّه بعد 3 أشهر من العمل، تجاوبت 567 بلدية من أصل 1070، أما باقي الإدارات والمؤسسات والبلديات، فعمد مدير التفتيش المركزي جورج عطية الى الاتصال بها شخصياً للاستفسار عن سبب التأخر في الاجابة، ورغم ذلك ثمّة إدارات التزمت الصمت من دون أيّ ردّ أو توضيح، فرُفعت لائحةٌ بأسمائها الى المجلس النيابي، المخوَّل استدعاءَ المدراء العامين والمسؤولين المعنيين لاستجوابهم.
في هذا الاطار، كان رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان قد صرّح امس «أنّ لجنة المال أخذت المبادرة في متابعة ملفّ التوظيف وستخرج بخلاصة تُرفع لمجلس النواب والحكومة ومجلس شورى الدولة، وسنجهّز لحلّ لن يكون على حساب مواطن بريء استُغلّ سياسياً كما لن يكون على حساب الخزينة والدولة والإصلاح».
مرقص
تعليقاً على هذا الموضوع، قال رئيس منظمة «جوستيسيا» الحقوقية، المحامي بول مرقص لـ«الجمهورية» إنّ «صلاحية محاسبة مخالفي القانون 46/2017 تعود للمجلس النيابي من حيث المحاسبة والرقابة السياسية، أما لجهة إنزال أيّ تدابير بحق الوزراء، فالأصل يعود الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المنصوص عليه في المادتين 70 و80 من الدستور.
اضاف: لكنّ تكوين هذا المجلس ذات طابع سياسي، لأنه مؤلّف من 8 نواب و7 قضاة، فضلاً عن أنه يتطلب أكثرية موصوفة تتمثل بـ 10 من اصل 15 عضواً لاتّخاذ أيّ قرار، وفقاً للمادة 80 منه. كما وأنّ الاتّهام يجب أن يصدر بما لا يقلّ عن غالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس النيابي، وبالتالي فإنّ الامر متعذّر على هذا النحو، لأنّ المجلس الأعلى المذكور مُكبّلُ العمل وغيرُ فاعل، رغم أنّ مجلس النواب قد درج على تسمية أعضائه فيه من دون أن ينظر هذا المجلس في أيّ قضية آلت الى نتيجة، باستثناء إحدى القضايا اليتيمة التي لم تسلك طريقها فيه.
واعتبر مرقص أنّ «المطلوب اليوم ضرورة اتّخاذ تدابير ناتجة عن تقارير التفتيش المركزي، لأنّ في ذلك ليس مخالفة للقانون فحسب، الذي يمنع التوظيف، بل مخالفة للمادة 66 من الدستور التي توجب على الوزراء تطبيق القوانين والأنظمة، فيما هم (أي الوزراء الذين قاموا بالتوظيف) قد خرقوا القانون الصريح الذي يمنع التوظيف».
ورأى مرقص أنه «يجب الاقتداء بالتجربة الفرنسية التي كنّا استقينا منها تجربة المجلس الاعلى يوم كان ثمّة قرار تشريعي في فرنسا في العام 1959، إلّا انّ تلك التجربة الفرنسية قد تطورت في العام 1988 مع صدور قانون لشفافية الحياة السياسية. ومنذ نحو سنتين صدر قانون لتعزيز الثقة بالحياة السياسية بفرنسا. وباتت مسائل مكافحة مثل هذا التحايل على القانون، تُناط بأعلى المرجعيات القضائية في فرنسا ويحاكم الوزراء على نحو فاعل امام القضاء، مروراً بأعضاء الجمعية العامة الفرنسية وصولاً الى رئيس الجمهورية الفرنسية الذي، للعبرة، حاكمه القضاء على أفعال تعود الى أيام ترؤسه رئاسة بلدية باريس. وأعني بذلك الرئيس جاك شيراك رغم عظمة هذا الرجل».
اما بالنسبة للموظفين الجدد وإمكانية فسخ العقود معهم، قال مرقص «إنه يجب التدقيق في شكل التعاقد لأنّ التوظيف يقوم على عقد بين الادارة والموظف وصولاً الى سائر أشكال التعاقد ومنها التعاقد محدَّد المدّة».
وشرح أنه «يجب النظر الى كلّ شكل من اشكال التعاقد. إذا كان محدَّدَ المدّة، يصار الى تدارك مفعوله ومنع تجديده، وتلافي، عند دراسة الملفات، إمكانية رجوع هؤلاء المستفيدين بغير وجه حقّ من التوظيف والتعاقد، الى إدارات الدولة بطلبات وتعويضات او إدلاءات بأنهم ذوو نوايا حسنة. وبالتالي ربما سيدلي المتعاقدون بنظريّتين قانونيّتين في وجه الدولة:
• الأولى هي نظرية الحقوق المكتسبة (droits acquis).
• والثانية هي نظرية عدم إمكانية الدولة الاستفادة من خطئها الشخصي كي تبرّر فسخ العقود معهم، لأنّ الحكم استمرارية ولا يمكن للدولة أن تتذرّع بخطأ وزرائها السابقين للتملّص من واجباتها تجاههم. الامر الذي يستدعي من الدولة وضع استراتيجية قانونية تُنصف الموظفين من جهة، وتقي الدولة من المطالبات والتعويضات ومقاضاة الدولة امام مجلس شورى الدولة من جهة اخرى.