من آخر التطورات في حرب تحرير الموصل العراقية ما صرّح به المسؤول في قوات مكافحة الارهاب المقدم حيدر حسين بقوله: تمّت السيطرة اليوم على أكثر من مائتي متر، وباقي باتجاه نهر دجلة أقلّ من مائتي متر تحت سيطرة داعش! وهذه صورة عن تنظيم أسطوري حمل تسمية داعش وتوهّج وانتشر بسرعة ضوئية، وينطفئ ويتلاشى ببطء في نزاع طويل الى أن يصل الى نهايته المحتومة. وكما كانت بداية هذا التنظيم لغزا وبلوغه الذروة في اعلانه دولة الخلافة لغزا ثانيا، فان نهايته اليوم تتحوّل الى لغز ثالث، وقد لا يكون الأخير. وأول ما يلفت النظر، عند التدقيق في التطورات التي حدثت على المسرح الداعشي في سوريا والعراق والى يومنا هذا، وجود ظلّ خفي لداعش، يرافقه في كل المراحل، وهو ظلّ أميركا كما سنرى…
تسلّم أبو بكر البغدادي قيادة التنظيم عام ٢٠١٠. وظهر الظل الأميركي في هذه الحالة عندما تبين ان البغدادي ومعظم قادة التنظيم هم من خريجي السجون الأميركية في العراق ولا سيما السجن الذي كانت تديره القوات الأميركية قرب مدينة أمّ قصر في جنوب شرق العراق. وعدد هؤلاء القادة يتراوح بين ١٧ و٢٥ قائدا. وهؤلاء وغيرهم نقلهم الأميركيون الى سجون عراقية، وهربوا منها لاحقا، وكان البغدادي وقادة التنظيم من بينهم! وهذا التنظيم هو الذي سيطر على الموصل في العام ٢٠١٤ وألحق بالجيش العراقي هزيمة نكراء. وهنا يظهر الظلّ الأميركي على الجانب الآخر أيضا! ذلك ان الجيش الأميركي هو الذي أعاد تنظيم قوى الأمن العراقية وتجهيزها وتدريبها وأنفق عليها ما يتجاوز ١٠ مليارات دولار من الأموال العراقية!
اللغز الثاني:
تكاد تجمع التقديرات الغربية ومنها محطة سي إن إن على أن عدد مقاتلي التنظيم في معركة الموصل لم يكن يتجاوز خمسة آلاف مقاتل، في حين ان وجود الجيش العراقي كان يبلغ عشرات الألوف. وما ان بدأت المعركة حتى انسحب ضباط الجيش العراقي فجأة، وأصدروا أوامرهم الى جنودهم بالانسحاب، وتركوا أسلحتهم بالكامل وراءهم في المستودعات بشكل يدعو الى الاستغراب الشديد. وأكثر منه غرابة ان الطائرات الأميركية الموجودة في المنطقة بقيت ساكنة، ولم تقم بأي عمل عسكري مضاد مع علمها بأن التنظيم المهاجم هو تنظيم ارهابي!
اللغز الثالث
انتشرت قوات داعش في شكل سريع، وسيطرت على نحو مائتي ألف كيلومتر مربع من الأراضي في كل من العراق وسوريا. في حين ان أكثر التقديرات الغربية دقّة قدّرت عدد أعضاء التنظيم في ذروة قوته وانتشاره بحوالى ٣٥ ألف شخص بين قيادي ومقاتل، تمّ تجميعهم من ١٠٤ دول.. وليس هناك أي تفسير علمي أو منطقي يشرح كيف تمكّن التنظيم من السيطرة على هذه المساحة الشاسعة من الأراضي بهذا العدد الضئيل من المقاتلين، بمعدل مقاتل واحد لكل ستة كيلومترات مربعة!.. مع وجود جيوش محلية وقوات أجنبية وعلى رأسها الدولة الأعظم أميركا!
… هكذا بدأ داعش كلغز، واستمر الى اليوم كلغز، وصل الى نهايته اليوم كلغز أيضا! مجموعة ألغاز من المهد الى اللحد!