في موازاة الاتصالات الجارية تحضيراً لاجتماعات الحوار بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”، من الضروري التوقف عند بعض التعليقات والمواقف التي تزامنت مع الدعوات المتبادلة بين الطرفين إلى الحوار، والتي جاءت في معظمها مرحبة بتلك الخطوة، وفي الوقت نفسه كانت فيها تساؤلات تستحق الإضاءة عليها، وقد وردت في سياق تعليقات وتصريحات، ومنها: “ماذا لو نجح الحوار بين “حزب الله” و”المستقبل”؟ ألا يُخشى أن يكون ذلك على حساب المسيحيين؟”! ومن المتسائلين من يحدّد “تكتل التغيير والإصلاح” إذ يسأل رئيسه ونوابه عما إذا كانت لديهم خشية من نجاح الحوار بين حليفهم “حزب الله” و”المستقبل”!
وأياً تكن طبيعة تلك التساؤلات وخلفياتها فإنها تبدو غير بريئة، لأنها من جهة، تضع القيادات السياسية المسيحية في موقع المنتظر وغير المبادر ومَنْ لا حضور له في التحرك السياسي، ومن جهة أخرى تضع رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون في موقع المستفيد من الخلاف بين طرفي الحوار المتوقع، أو في موقع المتعيّش على استمرار خلافهما والمتضرّر من اي تقارب بينهما، بالإضافة إلى أن تلك التساؤلات وما شابهها تستبطن تحريضاً على رفض الحوار، من جهة، وعلى استمرار الخلاف من جهة أخرى، وتتناقض مع دعوات متكرّرة من رئيس “التكتل” العماد عون “إلى الجميع للانضمام إلى وثيقة التفاهم التي وقعها مع “حزب الله”، وهكذا يبدو جليّاً أن اي موقف يتضمن “تخوفاً” من حوار بين طرفين سياسيين مختلفين في لبنان، إنما يعكس محاولات لعرقلة الحوار قبل انطلاقه، وأول الغيث أن نائباً من “التكتل” سخر في جلسة خاصّة مساء الجمعة الماضي، من الحوار، متسائلاً عن جدواه ومتسائلاً عما يمكن أن يكون على جدول أعماله، ما دام التطرق “ممنوعاً” إلى قضية مشاركة “حزب الله” في الحرب الدائرة في سوريا و”السلاح” ومتوقعاً أن يكون “حوار العشر دقائق”!
وإذا كان النائب المذكور قد خلط كلامه بين المزاح والجدّ، فإنه عبّر عن “مناخ” موجود، أقلّه عند البعض في هذا الفريق، ومن هنا يمكن القول إن “حزب الله” و”تيار المستقبل” أمام تحدٍ حقيقي، ومن حلفاء كل منهما قبل غيرهم، لإثبات جدوى الحوار وأهميته، والوصول إلى خطوات عملية. ولعل النائب المشار إليه عندما تساءل عما يمكن أن يتضمنه الحوار في غياب المشاركة في الحرب السورية و”السلاح”، نسي بنداً أساسياً يشكّل مفتاحاً لمرحلة سياسية جديدة، وهو انتخاب رئيس للجمهورية “البند الأول على جدول أعمال الحوار المتوقع” وفق مصادر مواكبة للتحضيرات للحوار، ومن الطبيعي وفق الدستور، أن تكون الخطوة الأولى بعد انتخاب رئيس الجمهورية قيام حكومة جديدة ثم مناقشة قانون جديد للانتخاب تُجرى بعد إقراره الانتخابات النيابية، وكل هذه الحركة تشكّل انطلاقة جديدة وتعطي زخماً لمناخ جديد يكسر الجمود الحاصل على كل صعيد في البلاد.
ولا يختلف اثنان على أن موقف لبنان الرسمي يصبح محصّناً بوجود رئيس للجمهورية، بما في ذلك على سبيل المثال، المساعي الجارية لإطلاق العسكريين المخطوفين والذين يشكّل استمرار احتجازهم ضربة موجعة إلى الدولة بكل مؤسساتها، العسكرية والأمنية خصوصاً، ولعل هذا ما دفع رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط إلى إبداء استعداده لمفاوضة خاطفي العسكريين، مباشرة، مذكراً بأن “أميركا فاوضت “طالبان” في افغانستان من أجل أسير، مقابل أسرى في غوانتانامو”، وثمّة من لفت إلى أن “على الحكومة التقاط هذه الفرصة وتكليف وليد جنبلاط معالجة هذا الملف سياسياً بالتعاون مع كل المشاركين في المساعي الهادفة إلى اطلاق المخطوفين وفي طليعتهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبرهيم، وبالتأكيد مع الوزير وائل أبو فاعور الذي يتواصل مع أهالي المخطوفين بشكل مستمر”، معتبراً أنه “إذا اقتضت الضرورة التنسيق مع الجهات السورية الرسمية لإطلاق المخطوفين، فلِمَ لا؟” ولافتاً إلى أن هناك قنوات اتصال مفتوحة على المستوى الأمني خصوصاً وأبرزها مع اللواء ابرهيم، وفي مجالات أخرى تتعلق بشؤون أمنية معينة وبتأمين حماية مسؤولين سوريين يسافرون عبر مطار بيروت” ومكرراً السؤال: أين المشكلة في التنسيق في شأن المخطوفين وملفات أخرى إذا اقتضت الضرورة، ومنها بالتأكيد ضبط الفلتان القائم على الحدود المترامية في الاتجاهين؟”.
وفي العودة إلى الحوار المرتقب، يرى مرجع سياسي مستقل أن “أي حوار بين طرفين مختلفين في لبنان يشكل خطوة محمودة ويجب تشجيعهما ومؤازرتهما في الوصول إلى نتائج إيجابية، ولكن الحوار الأهم يجب أن يكون على المستوى الوطني إذ ينبغي اطلاق حوار تحت عنوان: كيف السبيل إلى قيام الدولة بكل مؤسساتها، فالحلّ الوحيد هو قيام الدولة القادرة والعادلة التي يطالب بها الجميع، فهل يترجمون أقوالهم أفعالاً؟