انتهت أخيراً أيام تفوّق الأجانب علينا في إطلاق هذه الموضة أو تلك، وانتهت معها أيام تقليدنا لهم وشرائنا منتجاتهم و”عربنتها”. اليوم بتنا نحن الذين نحدّد النزعات ونوجّه الميول. عليكم أن تنسوا أفلام ستيفن سبيلبرغ وتيم بورتون. انتهت أسطورة الطبّاخ البريطاني غوردن رمزي ومسلسله الشهير “مطبخ الجحيم”. ثمة “شيف” جديد يضارب عليه منذ مدة ليست بالقصيرة، ويلقى برنامجه، وهو من نوع تلفزيون الواقع، نجاحاً منقطع النظير، ليس في العالم العربي فحسب، بل في جميع أنحاء الكرة الأرضية.
اسمه “شيف داعش”، واسم برنامجه “جحيم الجحيم”. وهو، ما إن يستيقظ في الصباح حتى يتساءل: “ماذا سأطبخ اليوم لعيون الرأي العام؟”. “كيف أتخطى نجاح طبق الأمس، وأقدّم لجمهوري تقنية تثير قدراً أكبر من الرعب؟ قطع الرقاب بالسيوف؟ جرّبناه. الرمي من عل؟ استخدمناه. الرجم؟ صار مكروراً. شواء اللحم على نار بطيئة؟ قديمة. ساعديني أيتها المخيّلة المريضة، وألهميني يا وحشيتي”.
ولكن، لكل نجم تلفزيوني نهاية، وقد باتت نهاية “شيف داعش” قريبة. هو أصلاً يستعجلها بلا وعي منه، لأن “البخار طلع على راسو”. يتوهّم أنه السيّد الآمر الناهي، لكنه، على غرار معظم “النجوم”، عبد جمهوره. أدمن آهات الخوف وصيحات القرف. أدمن ارتجاف الأبدان وخروج الأعين من محاجرها. أدمن المقالات التي تستنكر والأمهات اللواتي ينتحبن والمشاهدين الذين يرتجفون أمام فظاعة انتاجاته. بات لا يستطيع العيش من دونها، من دونهم. بات مضطراً الى تجاوز نفسه لكي يشعر بأنه موجود. هو يتلقّى دموع الناس وصرخاتهم كبرهان قوة، بينما هي دليل دامغ على إفلاسه وضعفه، لا بل على نبوءة اندثاره أيضاً وخصوصاً.
السيف يطوّع الأجساد والقلوب فحسب، لكن “شيف داعش” لا يستوعب محدودية هذا التطويع، لأن العقل لغة تتخطى مقدرته. هو، على غرار الحيوانات – لا بل أقلّ منها – لا يفهم إلا المستوى الأول، المباشر من الأشياء. هو لا يعرف أنه ذاهب نحو طريق مسدود. ماذا بعد يا نجم القرن الحادي والعشرين؟ ماذا بعد النحر والحرق والوأد والتقطيع وسواها من “فنون” القتل؟ هل ستقضي على الجميع؟ من سيشاهد أفلامك إذا أصبح الكلّ ممثلين فيها؟ من سيأكل أطباقك إذا صار الجميع من “مكوّناتها”؟
أطلق “شيف داعش” موضة الوحشية، ونحن تلقفناها بجوع مَن تدرّب على توقُّع الأسوأ، حتى إذا تحقّق هذا الأسوأ كاد “يفرح” لأن تشاؤمه لم يذهب سدى.
لكنّ الحلقة الأخيرة من “جحيم الجحيم” سوف تُعرض قريباً. وتكهنوا مَنْ سيكون الطبق.