IMLebanon

إنهاء الردّة الأوبامية!

لم تعد مهمّة التفاصيل وشياطينها طالما أن «القرار» اتُخذ بما يتلاءم مع ضرورات العدل ومشتقّاته. والأنسنة ومتطلباتها. والمنطق وشروطه. والجغرافيا وأحكامها. والديموغرافيا وحقائقها.. وتوليفة الاستقرار والأمن والسلام الملازِمة شرطياً للعولمة المالية والاقتصادية بكل صنوفها وضروبها وحالاتها وأشكالها.

ولم تعد مهمّة (كثيراً بكل حال!) التفاصيل الخاصة بالشكل الذي سيأخذه تفطيس بقايا السلطة الأسدية، طالما أن واشنطن – ترامب أطلقت بكل جهد ممكن مسيرة احتواء الردّة الأوبامية التي سمحت على مدى سنوات بإعادة العالم إلى مناخات المرحلة السابقة حتى على الحرب الباردة.. وفتحت الباب أمام صعود حالات سياسية معاصِرة ترتكز على أسس نظرية آتية من الماضي، وواعدة بالذهاب إليه!

كانت سوريا (ولا تزال) اختصاراً مكثفاً لذلك المنحى التصاعدي الغريب للغلط بمعانيه الكارثية والمصيرية. والمساحة المفتوحة المستوية على أنقاض بنيانها وعمرانها وأهلها، التي اختال فوقها المشروع القومي الإحيائي الروسي ونظيره الديني الإيراني بكل ما صاحب ذلك من فتك بقِيَم كبرى وصغرى. وببديهيات أرضية وسماوية. وبالإصرار على اعتماد أطر وأساليب كاسرة وعنفية لكل ما رسا عليه «النظام الدولي» غداة الحرب العالمية الثانية، سعياً وراء جعلها الحرب الأخيرة من نوعها!

وكانت سوريا (ولا تزال) هي مركز الثقل في ذلك الدويّ الخطير للمشروعَين الإيراني والروسي. وأخطر علامات الارتداد الأوبامي الكارثي! مع أن وضع كوريا الشمالية أثقل وطأة على السلم الدولي تبعاً لنضوج احتمالات البلاء فيها: نظام (ستاليني) مقفل بقدرات نووية أكيدة!

تبيّن بأكلاف بشرية هائلة، وبأضرار كبيرة حتى لو لم تصل إلى المستوى الاستراتيجي (مثل أزمة النزوح السوري في أوروبا) ان اعتماد تكتيكات خاطئة سعياً إلى استراتيجيات صحيحة، هو وهم تنظيري قد يليق بكل متفذلك لكنه قاتل ومدمّر عند صاحب القرار في دولة مثل الولايات المتحدة! مثلما تبيّن أيضاً، أن المسّ بمبدأ توازن الرعب هو أسهل الطرق الموصلة إلى ذلك الرعب! وأن التفرُّج الانكفائي على كسر الأسس والمبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول، والشروع في أجندة عابرة للحدود السيادية، هو أفضل وصفة للفوضى المنفلتة بدورها خارج حدودها وأطرها القومية والكيانية.

إنسلّت سياسات أوباما، بهذه المعاني وغيرها، من مثال لم يشفَ العالم كله من تأثيرات خطيئته بعد: محاولة تشامبرلين الانكليزي ودالادييه الفرنسي مع هتلر عشية الحرب العالمية الثانية. وقرّر استنساخ روحها مع بوتين وخامنئي! أي محاولة استرضاء (بدل مواجهة!) حالة هيجانية قومية ثأرية صاعدة وجموحة خارج حدودها، من خلال «مواكبتها» و«التنازل» التدريجي أمامها.. إلى أن تبيّن أن ذلك الأداء سبّب أكبر نكبة في تاريخ البشر على الاطلاق!

بالمقاييس النسبية، فإن «التنازل» أمام الروس والإيرانيين، في سوريا، كما في المنطقة العربية عموماً، كما في اوكرانيا والقرم وقبلهما جورجيا، سبّب لشعوب وأقوام واقتصاديات وعمران هذه الدول، كوارث موازية (جداً) لتلك التي ضربت أوروبا وجنوب شرق آسيا في الحرب العالمية الأخيرة، وكان يعد (ذلك التنازل) بزلازل كارثية مشابهة على مساحة تمتد من دول البلطيق الثلاث إلى الخليج العربي!

.. ما يقوله ويعلنه ترامب اليوم، وعلى طريقته الواضحة (والأكثر من ذلك في كل حال!) هو أنه ورث من أوباما «فوضى» كارثية. من كوريا الشمالية إلى سوريا.. وانه عازم على «التعامل» مع هذه الوضعية بما «يضع حدّاً لها». وتبيّن أنه على عكس سلفه أكثر صدقاً وأقل خبثاً.. مؤدلج براغماتي فيما كان ذلك السيئ الذكر ليبرالياً جامداً. مشاعره تمساحية وادّعاءاته الوسطية و«الإنسانية» مثل مشاعره تلك!

سوريا (مثلما هو مُعلن حتى الآن!) ستكون بداية الاستراتيجية الترامبية الصاعدة لتصحيح الردّة الأوبامية، وبعناوينها الأربعة: الإرهاب، و«عائلة الأسد»، إيران وأذرعها الطويلة، وبوتين وطموحاته القيصرية!