Site icon IMLebanon

قبل نهاية تشرين الأول… مَن سيصرخ أولاً؟

 

 

الساعات كلها مضبوطة على نهاية تشرين الأول. الإسرائيليون يريدون ترسيم الحدود قبل هذا الموعد. ولبنان محشور بتفعيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا الموعد، وحكومة التصريف مضطرة إلى تنفيس الاحتقان المالي والاجتماعي قبل هذا الموعد، لأنّ الوضع سيكون كارثياً بعده. فما الذي ستحمله نهاية تشرين الأول؟

لم يكن صندوق النقد الدولي ينتظر زيارة وفده لبيروت حتى يدرك أنّ السلطات اللبنانية لم تلتزم بأي من الخطوط العريضة للاتفاق الأولي الذي توصلت إليه مع الصندوق في الربيع الفائت. وكل ما أراده الصندوق هو تحذير الجانب اللبناني من تداعيات شديدة الخطورة للتلكؤ عن القيام بأي خطوة، خصوصاً بعد نهاية تشرين الأول، إذا صحّت التوقعات المتداولة وتعثرت الانتخابات الرئاسية وعملية تشكيل حكومة جديدة.

فالصندوق تلقّى التقارير الأخيرة الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية والخاصة. وكلها تقرع ناقوس الخطر في لبنان، وتحذّر من كوارث سيقود إليها الانهيار في المرحلة القريبة المقبلة، حيث يُخشى الدخول في الفوضى الشاملة سياسياً ودستورياً واقتصادياً وربما أمنياً.

وجاءت تحذيرات الوفد للبنانيين بما يشبه «التأنيب». وهذا ما دفع قوى السلطة، إلى إنجاز موازنةٍ «كيفما كان» وبالشكل فقط، ولا تغطي سوى الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام. فالطاقم السياسي يريد فقط إبقاء مفاوضاته مع الصندوق قائمة على مرأى من المجتمع الدولي، وللاستعانة به كعنوان إذا ما دعت الحاجة وأُقفلت الأبواب الأخرى نهائياً.

إذاً، حتى صندوق النقد يريد من لبنان أن يفعل شيئاً قبل انتهاء تشرين الأول. وقد جاء استعجال وزير المال يوسف الخليل، تحديد سعر جديد لـ»الدولار الرسمي» في لبنان، يوازي 10 أضعاف السعر السابق، للإيحاء بأنّ السلطة باتت في منتصف الطريق للاستجابة إلى مطلب الصندوق، تحرير سعر الصرف وتوحيده.

لكن التزام هذا المطلب، من جانب قوى السلطة، يبدو صعب التحقق، في المدى المنظور على الأقل. ولا يستطيع لبنان أن يمتثل لمطلب تحرير سعر الصرف وتلبية متطلبات الصندوق كما في الحالات التي مرّت فيها دول أخرى كاليونان مثلاً.

فهناك بقي الوضع تحت السيطرة، بوجود سلطة وافقت على الخطط التي شارك الاتحاد الأوروبي في إنجازها بدقة علمية وشفافية. وأما في لبنان، فحال الإنكار والفوضى الشاملة وهيمنة حيتان المال لا تسمح بتحقيق ذلك عملياً. ومن المستحيل أن تعترف الدولة ومصرف لبنان والمصارف التجارية بهذا السعر، لأنّه سيعني إعادة ودائع بعشرات مليارات الدولارات إلى أصحابها، بالكامل.

في الموازاة، لن يكون منطقياً أن تلعب الدولة دور الجلاد، فتستوفي الرسوم والضرائب وأسعار الخدمات على دولار السوق السوداء، 38 ألف ليرة وما فوق، وتبقى الودائع والرواتب محسوبةً ضمن حدود 10% أو 20% من هذا الدولار حداً أقصى.

وحتى دولار الـ15 ألفاً لم يجرؤ وزير المال على اعتماده في شكل واضح، تجنّباً لاستثارة المزيد من النقمة، وأبقاه معلّقاً على إقرار خطة النهوض، علماً أنّ الطاقم السياسي ليس متحمساً لا لخطة نهوض ولا لإصلاحات، ويفضّل انتظار أن يأتيه المال من دون أن يدفع أي مقابل. ولولا «تأنيب» وفد صندوق النقد لما مرَّر الموازنة، على عِلّاتها.

وفوق ذلك، جاء تحديد موعد الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية، ليحوّل المجلس النيابي هيئةً ناخبة ويقطع الطريق على أي فرصة لإقرار تشريعات يطالب بها الصندوق، ويؤجّلها إلى ما بعد انتخاب الرئيس، أي إلى ما بعد نهاية تشرين الأول… إذا تمّ الانتخاب في موعده الدستوري.

أما إذا طار موعد الانتخاب وتشكيل حكومة جديدة، فالأمور ستكون مفتوحة على المجهول. ولن يتمكن أحد من ضبط الفوضى بوجوهها المختلفة.

ويبقى الاستحقاق الأبرز قبل نهاية تشرين الأول ترسيم الحدود البحرية جنوباً.

فالإسرائيليون يقولون إنّهم يريدون اتفاق الترسيم خلال الأسبوعين المقبلين، وفي أي حال خلال الشهر المقبل، لا بعده.

وأساساً هم استقدموا منصّة الحفر إلى «كاريش» باتفاق مع شركة «إنيرجين باور»، يقضي ببدء الاستخراج في أيلول الجاري، تحفّزهم إلى ذلك حاجة الأوروبيين الماسّة إلى الغاز. ولذلك، فالتأخير لأسابيع قليلة هو في تقديرهم أقرب إلى التأجيل التقني.
ومع التطورات الأخيرة التي عطّلت خط الإمداد «نورد ستريم 2»، يجد الإسرائيليون أنّ الفرصة سانحة لدخولهم بقوة إلى سوق الغاز الأوروبية، وهم لذلك يريدون الإسراع في بدء التنقيب من «كاريش». وأما القوى النافذة في لبنان فلا تبدو معترضة على هذا الاستعجال، لضرورات الاستحصال على مبالغ مالية كبيرة بطريقة سهلة، بدلاً من تقديم التضحيات من أجل الحصول على مبالغ صغيرة من صندوق النقد.

قد يصحّ الرهان على تسويات قبل نهاية تشرين، إذا حصلت تنازلات أينما كان: أن تتنازل إسرائيل لإمرار اتفاق في الناقورة، وأن تتنازل قوى السلطة عن مكاسبها الناتجة من الفساد، وأن تتنازل القوى السياسية عن طموحاتها لمصلحة التسويات. وإلا، فإنّ عضّ الأصابع سيستمر حتى يقول أحدهم «آخ». وفي هذه الحال، مع تعذّر التسويات، ستكون نهاية تشرين باباً للكوابيس على أنواعها.