كما في المنطقة كذلك في لبنان: تطوران دراماتيكيان لكل منهما ما بعده، بصرف النظر عن الفارق الكبير بينهما وظروف كل منهما وحجمه ومدى تأثيره والسؤال عن تأثر التطور في لبنان بالتطور في المنطقة والعلاقات الدولية. الأول هو بالطبع بدء تطبيق الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة ٥١ ورفع العقوبات عن الجمهورية الاسلامية، وسط تسليط الأضواء على ما يدور بين واشنطن وطهران. والثاني هو التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على مبادئ وثوابت حاكمة للجمهورية، وتبني الدكتور سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
وليس قليلاً ما قيل ويقال لدى الحلفاء والخصوم عن رهانات الرئيس باراك أوباما على الاتفاق مع ايران لفك الارتباط بقضايا في الشرق الأوسط، ورهانات الرئيس حسن روحاني على العمل البناء مع العالم، وبالتالي على تحسين الوضع الاقتصادي الايراني عبر ممر وحيد هو الاتفاق النووي الذي يضمن رفع العقوبات القاسية، ولا ما قيل ويقال لدى الحلفاء والخصوم في لبنان عن خيارات العماد عون والدكتور جعجع وأسباب الاستمرار في الشغور الرئاسي والحسابات الفعلية لدى فريق ٨ آذار وفريق ١٤ اذار والحلفاء الاقليميين لكل منهما.
لكن ما بقي في العمق تحت سطح الجدل هو حجر الأساس في الموضوع. فمن الثوابت التي بنيت عليها المواقف والسياسات في المنطقة وحتى في العالم منذ الثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩ العداء الايديولوجي بين أميركا وايران. ومن الثوابت التي بنيت على أساسها المواقف والسياسات في لبنان منذ الثمانينات في القرن الماضي الخلاف وأحياناً الصراع بين العماد عون والدكتور جعجع وبالتالي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. ولا فرق، سواء في مرحلة الصدام العسكري بينهما أو في مرحلة نفي العماد عون وسجن الدكتور جعجع خلال الوصاية السورية أو بعد الانسحاب العسكري السوري عام ٢٠٠٥ وعودة العماد عون من المنفى الباريسي وخروج الدكتور جعجع من السجن في وزارة الدفاع.
ومن الطبيعي، وسط التعدد والتنوع في ردود الفعل، أن تبدو الحيرة هي القاسم المشترك بين المواقف. فالقوى الاقليمية التي بنت سياساتها على ثوابت العداء بين أميركا وايران حائرة حالياً حيال مدى التفاهم الأميركي – الايراني، وتبدو كأنها لا تعرف ما الذي تفعله بعد فتح الصفحة الجديدة بين واشنطن وطهران. والقوى اللبنانية التي رسمت سياساتها والمواقف على ثوابت الخلاف والصراع بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تبدو أيضا حائرة في تقدير حجم التفاهم بينهما ومدى تأثيره على اللعبة السياسية، وتبدو كأنها لا تعرف ماذا تفعل بعد التفاهم ولا كيف ستكون خارطة العمل السياسي. –