IMLebanon

أعداء..

الصورة الماثلة أمام الناس فيها الآتي: «حزب الله» يُشهر عداوته للولايات المتحدة ولمعظم دول اوروبا الغربية، ولمعظم دول الخليج العربي، ولمعظم العرب والمسلمين، وللشعب السوري، ولأكثر من نصف العراقيين، ولأكثر من نصف اللبنانيين ثم لكل من يخالفه الرأي (الرأي وليس العبوة الناسفة!) من أبناء ملّته! (عداوته لاسرائيل) حالة عامة، قبله وبعده! ولا يمكنه ادعاء الاحتكار في هذا المقام.

في فرادته هذه أزمة فعلية.. كبيرة وواقعية وليست إفتراضية: هذا حزب يقيم «في» رأيه وليس في لبنان. ويقيم في التاريخ وليس في الجغرافيا. ومشكلته، أو أزمته القصوى هي أنه لا يستطيع تحمل وجوده في المكان ذاته مع من يخالفه الرأي، لكنه محكوم بذلك! وهذه الازدواجية تجعله سلبياً وعدائياً على الدوام. «يساعده» على ذلك، أمران حاسمان، الأول التزامه العقائدي والثاني سلاحه.

الأول، لم يُتح له التدرب والنشوء على أسس وأطر بشرية وإنما إلهية منزّلة ومقدّسة. وذلك يمكن ان يفيد أمثاله، في «حوزة علمية» أو في بيئة واحدة في مكوّناتها المذهبية، ولكن ليس في بلد مثل لبنان حيث حالته لا تتناسب مع تلك الأطر، لا في السلم ولا في الحرب. لا في أيام العز ولا في أيام الشقاء. لا في السياسة ولا في الثقافة أو الفن أو الأدب أو انماط العيش.

الثاني السلاح. وهذا دعّم الأمر الأول وزاده سلبية: بدلاً من ان يعينه انفراده بالتسلح وإقامة بيئة حربية في مجتمع خرج منهما جريحاً ومكسوراً ونادماً، فعل العكس، أي دفع به الى توظيف ذلك البنيان الحديدي في كل شأن، صغر أم كبر.

وعلى غرار الجماعات والتنظيمات الدينية المماثلة، جعل «حزب الله» من عقيدته مقراً لسكنه! وأزمته في ذلك لا تختلف عن أزمات نظرائه، وأغرب ما فيها انها تزداد حدّة بمقدار ازدياد حدّة الالتزام النصّي. حيث التناقض يؤاخي الوعي ولا ينبذه: بين النص وفروضه وشروطه والاستطرادات البدائية في تفسيره، وواقع الحياة الدنيا، فروقات كاسحة وكبيرة ومدعاة في احيان كثيرة، للتوتر المتأتي من كثرة التعقيد وكثرة البشر والحداثة وآلياتها واجتماعاتها وإعلامها وتياراتها وبنوكها وماليتها ونفوذها وتشعبها.. إلخ.

ذلك الأساس أنتج وينتح فروعاً لا تني تتمظهر في الواقعين العربي والاسلامي من خلال تلك التعبيرات الدموية العامة عن أزمة النصوصيين وتفسيراتهم وقراءاتهم الخاصة. ولا يختلف «حزب الله» في ذلك عما عداه سوى بشكل الاداء المتوتر وحدّته! لكن الجميع، في هذا المقام، يقدمون الخلاصات ذاتها، وأولاها إستسهال إشهار العداء لكل مخالف.. وتنفيذ العقاب! وهذه مناحٍ توصف أحياناً بالعدمية وأحياناً بالتطرف ودائماً بالارهاب!

.. في الراهن القائم (الفرعي) يجد «حزب الله» نفسه وجهاً لوجه امام نكسات عدة: واحدة متأتية من اكتشافه حدود قوته الصغيرة في ملعب سوري كبير. وواحدة متأتية من ضمور رهاناته اليمنية والبحرينية، والى حد ما العراقية. وواحدة محلية متأتية من عجزه عن تنفيذ أجندته السياسية من دون المخاطرة بالذهاب الى فتنة تامة، لا منتصر فيها! وواحدة مركزية وأساسية متأتية من قصّة المفاوضات الايرانية مع الغربيين والاميركيين حول الملف النووي وملحقاته.

وهذه الاخيرة، (والله أعلم) هي أكثر ما يقضّ مضاجعه! وتدفع به الى إظهار المزيد من التوتر والشطط. وصولاً الى توقع كثيرين، في غد قريب، ان يضم الحزب الى لائحة أعدائه القيادة السياسية الايرانية التي ستخلف خامنئي! علماً انه راهناً يضع بعضاَ من تلك السلطة في تلك الخانة!

في ضوء ذلك وعتمه، ماكر وناكر ومكابر من يخبئ قلقه من الأيام الآتية! ومن يفترض ان توتر النصوصيين الخلاصيين الإلهيين قد يقف عند حدود العقل وملحقاته ومشتقاته!