إن الخصومات السياسية بين المكوّنات السياسية في الدول المُستقرّة، تُعدّ من الخصائص الجوهرية للعمل التنافسي الطبيعي والضروري في مسار المحاسبة المُستمرّة، وفي تداول السلطات والعودة الى مركز القرار الأساسي بإعادة إنتاج السلطة، أي الشعب، فلا وجود لديمقراطيات ولفكر مُتحرِّر من دون إحترام التباينات بين الأفرقاء المكوِّنة للمجتمع حول النظرة للشؤون الوطنية وللملفّات المعيشية بمجمل قطاعاتها. هكذا هي ظروف الدول ذات الإستقرار الداخلي والوحدة على الهوية الوطنية، حيث توضع كل التباينات جانباً، وتصطفّ كافة فئات الوطن وأحزابه المتنافسة والمتخاصمة قوة واحدة ضد أيّ مُعتد على الوطن، وفي حال شذوذ أي فريق من الأفرقاء عن هذه الوحدة، يُعتبر ذلك خيانة موصوفة.
قد يستطيع بعض المتعاملين مع أعداء الوطن فتح النقاشات العقيمة حول الخيانات الوطنية وفذلكة الأخطار التي تُهدّد الوطن، من أجل تبرير التعاون الخياني مع المُهدّد لطبيعة العقد الوطني، ولكن العامل الحاسم في هذه الأمور ليس الأخذ بوجهات النظر المُتعدِّدة، بل إعتماد القوانين والدساتير الكفيلة بتوضيح المفاهيم والضوابط والخطوط الحمر والسقوف المسموحة. وبالرغم من كل الثوابت المذكورة تبقى الأمور مُختلفة مع مُنظّري وفقهاء وشعراء المنظومة الحاكمة في لبنان، حيث يتبارزون بإبتداع الحجج الفارغة والسطحية المُدعّمة بالسلاح غير الشرعي لإبقاء لبنان مأسوراً داخل مشروع محور الممانعة المتخلّف، تارةً بحجج قومية، وتارةً أخرى بحجج مذهبية، ودائماً بحقيقة عداوتهم للبنان وإصرارهم على عدم الإعتراف بإستمراريته وسيادته. ويتبيّن هذا الأمر جلياً في اللحظات الحالية التي يمرّ بها لبنان، من خلال محاولات بعض صغار النفوس بالتعاون مع بعض تجّار السياسة وبعض الصفقويّين، لنقل الحوار المصيري الدائر لتفعيل المبادرة الإنقاذية لدول الخليج لفكّ أسر لبنان الى نقاش «خناق ديوك» حول من يستفيد من إرث فئة سيادية من فئات لبنان.
إن العداوة للبنان لا تنحصر بالتعدّي على الحدود المُرسّمة أو غير المُرسّمة، ولا على خرق الأجواء الوطنية، لأنّ الركائز الأساسية الوجودية لأي دولة تتمثّل بإستقلالية القرار الوطني وعدم تبعيته وقدرته على الحيادية في زمن الصراعات الدولية، وإذا كان حسب نيكولو ميكيافيللي «من صفات الحاكم توقّع الأخطار قبل حدوثها»، ومن صفات القائد الكبير حسب هنري كيسنجر «تجنيب أمّته الكوارث أهم من تحقيق الإنتصارات لها»، فعلينا إذاً أن نرى أن العداوة الأخطر والأشدّ التي يتعرّض لها لبنان هي التي تستهدف المصالح اللبنانية وتكشف السيادة لتصبح مستباحة من قبل أعداء الوطن، وتضرب الإقتصاد والعلاقات الوطنية لأجل إفقاد الشعب قدراته للرفض. وعملياً وفعلياً فالدور الحقيقي الذي يُمارسه «حزب الله» وأتباعه وحليفه السلطوي الفاسد بحق لبنان يتمثّل بتدمير القدرات اللبنانية وفرض العزل على اللبنانيين، وهذا الدور هو بالتأكيد الخدمة الأكبر لأعداء الوجود اللبناني.
من المعروف والمؤكّد أن من يُعادي الصيغة اللبنانية هم أنظمة مجاورة نقيضة تماماً لطبيعة الحياة اللبنانية وللنظام وللعقد وللعيش المُشترك وللرسالة التي يحملها لبنان بإرثه واللبنانيين بحفاظهم على تنوّعهم، وإن قياديّي هذه الأنظمة وشياطينها يُدركون أن نجاحات اللبنانيين الكبيرة والباهرة في إعمار الكثير من دول الخليج العربي وفي إدارة العديد من الشركات الدولية ناتجة عن الثقافات المتنوّعة التي يتميّز بها هذا الشعب والإنفتاح والتقدّم الذي حققه في العلوم والفنون والخبرات واللغات والعلاقات الدولية، وهذه الحقيقة تُزعجهم وتُعيق محاولاتهم لتدمير بلد الأرز، ولذلك تحاول دوائرهم الخبيثة مصادرة قدرات الشعب اللبناني وإلغاء دوره ومميّزاته.
إستطاع هذا الشعب المُتمسّك بهوية وطنه الدفاع عن ذاته لأجيالٍ وأجيال مضت، فصدّ عدوانية تلك الأنظمة وأسقط محاولاتها، أمّا الآن فيتعرّض لأخطر التهديدات على الهوية والوجود، لأن التهديد في هذه المرّة متجذّر بفئة من فئات المجتمع اللبناني ومتّخذ لأفرقاء من فئات أخرى أغطية له، وبالرغم من ذلك فلن يتوانى عن مواجهة المؤامرات المُستمرّة بحق وطنه.
إن محاولات مايسترو محور التخلّف رمي الفتن بين الساحات السيادية لإزاحة الإهتمامات عن المبادرات الإنقاذية للبنان، التي تحاول نقله من جهنّم الى التعافي التدرّجي، بدفع بعض الجهلاء السخيفين للهجوم على «القوات اللبنانية»، كونها الفريق الرافض دائماً للتسويات مع مهندسي محور الممانعة والمُصرّ على مواجهة مشاريعه الإلغائية لهوية وطن الأرز، وإن إستغلال المايسترو باستمرار شغف رئيس التيار العوني بالسلطة، بتوجيهه لإتهام «القوات» بالسعي للحروب الداخلية تبريراً لتخاذله هو أمامهم وتواطئه مع مخططاتهم العدوة للبنان، يدلّ بوضوح على هوية المُهدّد لهوية لبنان والمُسهّل للعداوة ضد لبنان، فهل ما زال هناك مجال للشك بمن يُريد خدمة أعداء لبنان؟؟؟