في 20 أيار 1967، أي قبل 17 يوماً على حرب العام 1967، ورد في تصريح للسيد وزير الإعلام السوري محمد الزعبي ما يأتي: «لقد أثبتت الوقفة الجبارة للقوى الثورية والتقدمية العربية، أن قوة دولة العصابات ليست إلا أقل من نمر من الورق الهش القميء المهترئ». ويتابع محللاً «إن إسرائيل اليوم محاصرة بين فكي الكماشة: الجيوش العربية المستنفرة من جهة، وأعمال الفدائيين من جهة أخرى، وهيهات لها أن تفلت من تلك الكماشة». فلت النمر الورقي وأطبق على الجيوش العربية وفلت لسان الزعبي على حافظ الأسد وصلاح جديد بعد مغادرته سورية في العام 1974 محمّلاً الرجلين مسؤولية مباشرة في خسارة هضبة الجولان.
حاول الزعبي نسب تعبير «نمر من ورق» إليه لكن الحقوق محفوظة لماوتسي تونغ، فالجملة هذه وردت في متن حديث صحافي أدلى به في آب من العام 1946 وجاءت في هذا السياق: «إن القنبلة الذرية نمر من ورق، وأن الرجعية الأميركية تستخدمه لتخويف الشعوب. صحيح أن القنبلة الذرية تبدو مفزعة، ولكنها في الحقيقة غير ذلك. نعم هي تقتل الجماهير بالجملة، ولكن نتيجة الحرب تقرّرها الجماهير وليس سلاح أو اثنان من الأسلحة الحديثة».
يتوافق فكر الزعيم الصيني الاستراتيجي مع فكر يحيى السنوار، فالرجلان لا يوليان أهمية «لقتل الجماهير بالجملة». فأن يلامس عدد ضحايا حرب الطوفان من الفلسطينيين الأربعين ألفاً لا شيء، فنتيجة الحرب تحدّدها جماهير المقاومة والناطقون باسمها.
الأسبوع الماضي توقف رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك في خطبة الجمعة عند «الذكرى المشؤومة لحرب الأيام الستة في حزيران 1967، والتي عُرفت بأيام النكسة والهزيمة المذلة للدول العربية» على حدّ قوله، وأعلن يزبك «أن عملية طوفان الأقصى كشفت أن جيش العدو ما هو إلا «نمر من ورق».عسى ألّا يكون تقويم سماحة الشيخ قدرات العدو كتقويم محمد الزعبي.
لطالما برع القادة والمفكّرون والوزراء العرب في انتقاء أجود التعابير المستوردة، وفي إطلاق «سلوغونات» رنّانة، جذّابة، لا تبوخ ألوانها كأنها غُسلت ببرسيل العجيب، ولا تبهت كمثل «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». في الأحوال الطبيعية تعيش العناكب ما بين خمسة أعوام وعشرين عاماً. وبضربة مكنسة تهرّ بيوتها، فكيف عاشت إسرائيل؟ وكيف مارست كل هذه العربدة والغطرسة والتدبير وهي في حال الوهن الشديد أقله منذ ربع قرن؟
نحن قوم نُطرَب لمن يُكرّر على مسامعنا عبارات قالها القادة الكبار في مناسبات عظيمة. إن ننس فلا ننسى مقولة جمال عبد الناصر: «ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلّا بالقوة». أُخذت سيناء بالقوة واستُردّت بالمفاوضات. ولا يزال الطرب لصدى الكلمات في آذاننا ضارباً.