لم يكن توصيف العدو بعد سنوات الحرب اللبنانية التي أشعلها العامل الفلسطيني مشكلة لبنانية داخلية ضخمة وعقدة عاصية على التفاهمات اللبنانية سواء كان هذا العدو اسرائيل قديماً وحديثاً او الارهاب الوافد مع مشتقات “القاعدة”. ولذا تبدو توصيفات كثيرة ساقها السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير للحالة التكفيرية الارهابية وخطرها على الاسلام والانسانية من البعد الاسلامي السوي محط توافق ضمني لبناني ولو لم يتم التعبير عن ذلك علناً بالقدر الصريح الكافي. ولعل افضل ما جسدته هذه التوصيفات غداة المذبحة المروعة التي ارتكبها تنظيم “داعش” بحق الشهداء الأقباط المصريين الـ21، لأنهم مسيحيون بالدرجة الاولى كما اعلنها كحقيقة مفجعة البابا فرنسيس، كانت في تشديد السيد نصرالله على اهم بعد في الاسلام وهو رفض كل ما يمس بإنسانية الانسان.
مع ذلك يطرح التوافق النظري بين السيد نصرالله والرئيس سعد الحريري على ضرورة التفاهم على استراتيجية وطنية موحدة لمكافحة الارهاب التكفيري اشكالية جديدة لن تكون غريبة في كل الأحوال عن مناخ الضياع الذي يجتاح لبنان بين حوارات الضرورة والانقسامات الآخذة في التعمق والاتساع على نار مقاربتين متصارعتين حول حماية البلد.
والواقع ان ما يطرحه السيد عنواناً لهذه الاستراتيجية يشكل جوهر الازمة اللبنانية راهناً قبل اي عامل آخر بما فيه ازمة الفراغ الرئاسي. لم تعد المسألة متصلة بتحييد للبنان يقول السيد بانه مستحيل بل تتسع الى مفهوم متطور يرى فيه خصوم “حزب الله” استدراجاً معاكساً للبنان من داخل الى خارج بل الى خوارج الإقليم المشتعل كلها. وسواء كانت دعابة لفظية او سواها فان الدعوة الى “الذهاب معاً” الى سوريا والى غيرها لمقاتلة داعش والنصرة ستشكل العقبة الاشد استعصاء على التوافق من الاستراتيجية الدفاعية في مواجهة العدو الأصلي اسرائيل. وإذا كان التوافق على حملة لإزالة الصور والشعارات إيذانا بثمار متواضعة للحوار الناشئ بين المستقبل والحزب استلزم عشر سنوات سقطت فيها عشرات المحاولات الحوارية الاوسع والأشمل للتوصل الى استراتيجية دفاعية ضد اسرائيل فكيف وكم من الوقت ترانا سنراهن على التوصل الى استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب؟
لعل السيد نصرالله لا يفوته ان الصراع المديد بين مقاربتين حول تحييد لبنان اتخذ أقصى آثاره في المعادلة الداخلية منذ انقلب مع اتساع تدخل الحزب في الحرب السورية المفهوم الدفاعي نفسه وصار هجومياً خارجياً. يبرر السيد ذلك بالإعصار التكفيري وطبيعته. ولكن خصوم الحزب يرونه انقلاباً مروعاً في واقع لبنان يستدرجه اليه الدور الاقليمي الايراني و”الوظيفة الميدانية الاستراتيجية” للحزب ضمن هذه المنظومة المحورية. فهل يبقى هناك، والحال هذه، فرصة رهان أفضل على استراتيجية ضد الارهاب من شقيقتها المزهوقة الروح ضد اسرائيل؟