بعد وقف إطلاق النار، بدأ الغبار ينجلي عن الخسائر الحقيقية للاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب على الجبهة الشمالية. فبحسب مصلحة الضرائب على الأملاك، تعرّض أكثر من 9 آلاف مبنى و7 آلاف مركبة للتدمير الكامل. ومن الطبيعي أن تتزايد الخسائر المكشوف عنها مع مرور الوقت. وبحسب موقع «كلكليست» العبري، بلغت قيمة الخسائر في الشمال بسبب الحرب مع لبنان نحو 2.5 مليار شيكل (675 مليون دولار). وحتى الآن دفعت الحكومة الإسرائيلية نحو 140 مليون شيكل فقط تعويضات لهذه الأضرار. وهذا الرقم مُرشح للارتفاع بما أن هناك أضراراً غير مُصرّح عنها حتى الآن. وتشمل الخسائر المادية أيضاً، تضرر 343 مزرعة وتدمير 1070 منشأة اقتصادية وتجارية صغيرة.
بعض الأكلاف لن تُدفع
إلا في وقت لاحق مثل
أكلاف التسلح والدفعات
للمورّدين وإعادة التأهيل
قد لا تكون البيانات العامّة حول الأضرار في شمال فلسطين المحتلة موجودة لتظهر مدى الخسائر مجموعة، لكن يمكن الحصول على فكرة من خلال النظر إلى الخسائر في بعض المستوطنات. فعلى سبيل المثال، وبحسب بيانات مؤسسة التأمين الوطني، فإن 70% من المصالح الصناعية والتجارية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في كريات شمونة أغلقت أبوابها مع بدء الحرب، كما أن 68% من سكانها الذين سيعودون يوماً ما إلى المدينة، لن يجدوا وظائف وأماكن عمل. وهذا الأمر يمثّل انتكاسة كبيرة للمشروع الذي كانت حكومة العدو تضعه لكريات شمونة، والذي يتمثّل بتحويل المستوطنة إلى مركز جديد لشركات التكنولوجيا في إسرائيل. هذه الحرب أنهت هذا المشروع عملياً.
كانت الحرب ثقيلة من ناحية الكلفة المادية على العدو. صحيح أنه يحظى بدعم المنظومة الدولية وتقف خلفه أكبر قوّة إمبراطورية في التاريخ. إلا أن ترجمة هذه الأمور على أرض الواقع ليست بسيطة. فتمويل الحرب لا يتم عبر تشغيل مطبعة الدولارات في أميركا ووهبها للعدو، بل يظهر جزء من آثار التمويل على حجم الدين وكلفة الدين. وحتى شهر تشرين الأول، بلغت كلفة الحرب 106.2 مليارات شيكل، بحسب وزارة المالية الإسرائيلية. لكنّ الأمر لا يقف هنا، فبحسب الكاتب ناتي تاكر في صحيفة «ذا ماركر»، بعض التكاليف لن تُدفع إلا في وقت لاحق، مثل تكاليف التسلح والدفعات للمورّدين وإعادة التأهيل. وقد ارتفع حجم الدين العام الإسرائيلي من نحو 1.02 تريليون شيكل في نهاية 2022 إلى 1.25 تريليون شيكل في النصف الثاني من عام 2024، أي بنحو 250 مليار شيكل (67 مليار دولار). ارتفاع حجم الدين سينعكس على كلفة الدين على حكومة العدو، ويتزامن هذا الأمر مع ارتفاع الفوائد بسبب خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من قبل شركات التصنيف، إذ إن خفض التصنيف الائتماني يعني أن مخاطر الاستدانة العامّة تُصبح، وارتفاع المخاطر يعني أن كلفة الدين سترتفع.
في العادة، تقوم الحكومات بالاستدانة من أجل الإنفاق الاستثماري، وهي تعتمد على أن هذا الإنفاق يسهم مستقبلاً في توسّع الحركة الاقتصادية، ما يسهم في زيادة الإيرادات الضريبية. بمعنى آخر، تعتمد الحكومات على هذه الاستدانة لتمويل نفسها مستقبلاً، عبر تغطية كلفة الدين من خلال الإيرادات الضريبية المستقبلية. لكن في حالة العدو، الذي وسّع قاعدة الدين العام بهدف تمويل التسليح والرواتب العسكرية لجنود الاحتياط، وهذا أمر لا عائد ضريبياً له، فهو لا يسهم في توسّع الحركة الاقتصادية، بل يزيد من عبء كلفة الدين على الحكومة التي ستضطر إلى تأمين تمويل كلفة الدين من خلال سحبها من موازنات أخرى، وهذا ما يظهر في الموازنة التقشّفية التي أقرّتها حكومة العدو في شهر تشرين الثاني لسنة 2025.