Site icon IMLebanon

أسئلة «مربكة» بلا أجوبة عن أزمة «كاريش»

 

 

قفز ملف ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل إلى الواجهة بقوة الإجراءات الاسرائيلية التي فرضها وصول الباخرة «اينيرجيان باور» إلى حقل كاريش، فزاد من حالة الإرباك لدى أهل الحكم الغارقين في المناكفات السياسية على أبواب الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف من يشكّل الحكومة بعد اكتمال هيئة مكتب المجلس. وفي ظلّ فقدان كل أشكال الشفافية في ملف الترسيم، طُرحت اسئلة عدة لم يتوافر لها أي جواب، وهذه عينة منها.

سخرت مراجع سياسية وديبلوماسية من الحديث المتنامي عن مجموعة المفاجآت «الصادمة» التي رافقت وصول الباخرة «اينيرجيان باور» الى البلوك 72 الاسرائيلي، الذي يقع في أقصى شمال المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة. واعتبرت، انّ «من الجريمة بمكان اعتماد هذا التوصيف في توقيته وشكله ومضمونه. فكل ما جرى في الساعات القليلة الماضية كان متوقعاً بأيامه وساعاته ان لم يكن بدقائقه، منذ أشهر عدة. وهو ما ينفي عن تطوراته أي توصيف مستجد او مفاجئ. وهو أمر لا يثير الاشمئزاز فحسب، انما يدلّ إلى كثير من الاستخفاف الذي ميّز طريقة التعاطي مع قضية دقيقة وحساسة من هذا النوع، لا تحتمل أي إشارة إلى ما هو صادم ومفاجئ سوى عند من قرّر اعتماد اسلوب النعامة في طمر رأسها في الرمال».

 

وعلى خلفية ما هو ثابت من فقدان الشفافية في التعاطي مع قضية من هذا النوع، والصدقية في قراءة المصلحة العليا للبنان وتحديد أطرها، بطريقة لا يجب ان تخضع لأي نقاش من أي جهة كانت، فقد زاد في الطين بلّة، فقدان الرؤية الموحّدة والموقف الجامع من هذا الملف، بعدما غرق اللبنانيون على مدى سنوات تجاوزت عقداً من الزمن، بسرّية مطلقة سبقت الإعلان المفاجئ عن «اتفاق الإطار» الذي أُعلن عنه من عين التينة مطلع تشرين الاول العام 2020، قبل ان يسترد رئيس الجمهورية ملف المفاوضات استناداً الى ما تعطيه ايّاه المادة 52 من الدستور التي منحته الحق بـ «المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية».

 

ولا ينسى أي من المراقبين ما رافق هذه المرحلة التي امتدت لسنوات عدة، من اتهامات متبادلة سيقت في السرّ والعلن بين المسؤولين الكبار، وركّزت على التفريط بالحقوق اللبنانية، وصولاً الى اتهام طاول من أقسم وحيداً على الدستور بـ «الخيانة العظمى»، وهو أمر دفع بكثير من المراقبين الى التعبير عن نوع من الاشمئزاز الممزوج بالأسى، بما يشي بفقدان الجهة او السلطة التي تفصل في مثل هذه الحالات المستعصية، بغية تحديد الواجبات وتوزيع المسؤوليات.

 

وبعيداً من هذه الوقائع التي لا يعتري الإشارة اليها وتعدادها أي شك، فقد استذكرت المراجع مجموعة التحذيرات التي سبقت الوصول الى ما نحن فيه اليوم، وخصوصاً تلك التي واكبت انطلاق المفاوضات غير المباشرة في الناقورة بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي برعاية الوسيط الاميركي المسهّل، في 14 تشرين الأول 2020، بعد أسبوعين على إعلان «اتفاق الإطار» بين الأطراف الثلاثة، وحتى تجميدها بطلب من الوسيط الاميركي السابق السفير جون دي روشيه، بعد 5 جولات كان آخرها في 5 أيار 2020. والتي ارتفعت حدّتها مع زيارة خلفه الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت في 8 شباط الماضي، عارضاً صيغة غير معتمدة في قانون البحار، قضت بتقاسم الحقول المقدّرة تحت الماء بدلاً من إعطاء الاولوية لترسيم الخطوط على سطح البحر.

 

وبقيت الأمور على ما هي عليه من المماطلة والمراوغة، إلى ان جاء الإعلان الصريح لشركة الطاقة البريطانية – اليونانية «Energean»، منذ أربعة اشهر تقريباً، عن قرب انتهاء بناء الباخرة التي ستقوم بعمليات الحفر في البلوك 72، حيث يقع حقل «كاريش» النفطي، وفق التقسيم الاسرائيلي للمنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة، والذي يتداخل مع البلوكين اللبنانيين 8 و9، متجاوزاً الخط 29 المتنازع عليه، من دون إهمال وجود «حقل قانا» الممتد من المنطقة اللبنانية، خارقاً حدود البلوك الاسرائيلي.

 

على هذه الخلفيات، وبعيداً من الغرق في المواقف المتدفقة في أكثر من اتجاه المسؤول منها وغير المسؤول، المنطقي منها وغير المنطقي، سواء تلك التي نعت الحقوق اللبنانية بالثروة النفطية في المنطقة المتنازع عليها مع العدو الاسرائيلي، او انّ الفرصة لم تفت بعد بتعديل المرسوم 6433، فقد لفتت مراجع مراقبة الى مجموعة من الاسئلة التي لم يتوفر حيالها أي جواب حتى اليوم، ومنها على سبيل المثال:

 

– ما الذي يمنع من الكشف عن الحقائق التي وضعت ملف الترسيم على مدى عقد من الزمن في عهدة رئيس السلطة التشريعية إلى أن تمّ التوصل الى «اتفاق الإطار»؟ وهل في ما جرى نص عليه الدستور في مكان ما حول صلاحياتها؟

 

– على أي أساس استرجع رئيس الجمهورية الملف من عين التينة، وما هي الجهة التي رسمت مسار المفاوضات التي قادها الوفد العسكري بكل جدارة على خلفية تنفيذه قرار القيادة السياسية؟ وهل انّ ما جرى خلافاً لما قال به «اتفاق الاطار»؟ وهل انّ ما تعرّض له الوفد العسكري عند تعليق المفاوضات يمكن تفسيره على خلفية القول الشائع: «وصلتونا لنص البير وقطعتوا الحبلة فينا»؟

 

– ما هو الدور الذي لعبه مستشارو رئيس الجمهورية في مفاوضاتهم غير الرسمية مع الموفدين الأميركيين، وخصوصاً مع كل من ديفيد هيل وعاموس هوكشتاين؟ وما الذي دار في تلك العشيات عشية وصول أي منهم الى بيروت؟ وهل من محاضر جلسات تروي ما حصل؟

 

– هل صحيح انّ الملف اعتمد وسيلة «لمقايضة» ما من أجل فك العقوبات الاميركية عن النائب جبران باسيل، كما قالت تسريبات غير مؤكّدة؟ وهل من رابط بين الأمرين؟

 

– ما هي ردة الفعل الاميركية إن عدّل لبنان المرسوم 6433 واعتمد الخط 29، وإن كان امراً ملحّاً وقانونياً، وفق ما تقول به القوانين الدولية، فهل في قدرة الاميركيين الحؤول دون ان ينتهي الأمر الى ما يضمن حقوق لبنان؟

 

– ما الذي يمنع ان نلجأ إلى الخطوة الكينية التي قامت بها كينيا امام محكمة البحار، وأنهت خلافاً مع الصومال في ترسيم حدودهما البحرية، إن كان موقع كينيا وموقفها شبيهاً بوضع لبنان؟

 

– ما معنى ان يعلن «حزب الله» انّه ملتزم بالموقف اللبناني الرسمي من ملف الترسيم، وإن لم ترق له النتائج هل يتصرف بمبادرة من جانب واحد؟

 

– ما الذي يمنع مواجهة عسكرية مع اسرائيل يشعلها صاروخ واحد يطلقه «حزب الله» في اتجاه الحقل 72، وليس ضرورياً ان يصيب المنصة؟ وهل انّ اسرائيل مستعدة لمثل هذه المواجهة ام أنّها مطمئنة من خلفية «صفقة سرية» تتناول هذا الملف؟

 

– ما هو الثمن الذي يتحمّله لبنان إن حصلت مواجهة من هذا النوع؟ وهل تتحمّل الدولة المشلولة العاجزة عن تأمين المحروقات والدواء والكهرباء وتقنن رغيف الخبز، إن وقعت حرب من هذا النوع؟

 

قد يكون من الصعب لا بل المستحيل ان يجيب أي انسان عن أي من هذه الاسئلة، فكيف إن كانت مجتمعة؟ وعليه، ما علينا سوى انتظار ما تحمله الأيام المقبلة من مواقف ومعطيات سيقود اليها الاتصال الذي أُجري من بيروت أمس مع هوكشتاين، ليعود اليها بسرعة، لعلّ مهمته تأتي بما يمكن اعتباره معجزة. فلننتظر؟