في البلد خطابات كثيرة، الغالب فيها النسخ أو الترجمة بتصرف، وفي أحسن الأحوال تبني النص وجعله رواية خاصة، مثلما فعل أولئك الذين نسخوا روايات اجنبية ونسبوها الى أنفسهم فصدرت كاريكاتوراً ابدياً.
وفي البلد شبه إجماع ان سبب الأزمة المالية والإقتصادية والعجز الذي يرزح تحته اللبنانيون، يكاد ينحصر بأمرين: أولاً، الهدر في قطاع الكهرباء حيث ضاعت وتضيع مليارات الدولارات في تراكم سنوي، برعاية وإشراف وزراء من الخط نفسه المرتبط بضباط وأركان النظام السوري قبل وبعد إبعادهم عن لبنان.
ثانياً، الهدر السنوي المستمر عبر تمويل الدولة اللبنانية المحروقات والقمح المدعومين ثم نقلهما الى سوريا ما يرتب كلفة سنوية تزيد عن أربعة مليارات دولار. وقد أورد رياض سلامة هذا الرقم في رده على “استيضاحات” رئيس الحكومة، ولم نسمع من الأخير أو من غيره من خصوم حاكم البنك المركزي ودعاة استبداله أي رد نفياً أو توضيحاً.
لقد جمع الخبير المعروف مروان إسكندر الأرقام الضائعة وفندها وحسم أنه بسدّ هذين المزرابين يمكن أن يستعيد لبنان توازنه، لكننا لن نأمل، مرةً أخرى بردّ أو بتوضيح.
فالمشكلة من الاساس أن النظام السوري زرع أزلامه في قطاع النفط منذ زمن بعيد، وهؤلاء كانت لهم حصتهم ولا تزال، وعليهم في المقابل توفير التغطية السياسية لعمليات توزيع الأرباح وضمان استمرار التهريب الشرعي وإلى جانبه مسارب التهريب غير الشرعي لتختلط الأمور على الناس فيصرفون النظر عن جوهر المشكلة.
كان بعض السلطة يتولى المهمة في السابق. الآن باتت السلطة كلها معنية. وليس ضرورياً البحث هنا عن اصحاب اختصاص في النفط والتيار الكهربائي وصنوف المحروقات، فعندما جرى إختيار الراحل ايلي حبيقة وزيراً للطاقة والكهرباء إكراماً لالتحاقه بالخط، استغرب عارفوه الأمر، فهو رجل أمن وعسكر وسياسة في أحسن الاحوال. لماذا الطاقة وتوابعها إذن؟
الجواب سيتضح في ما بعد وها نحن عالقون بين هدر الطاقة وتهريب ملحقاتها ومواد أخرى الى حيثُ قرّر الآباء وورثتهم.