يبدو أنّ حجر الادعاءات القضائية يتدحرج سريعاً، فيما لا تغيب البصمات السياسية عن تلك الإخبارات وسط صراعات «كبار القوم» التي راحت تتسم بالطابع القضائي هذه المرة.
وفي أحدث حلقات هذا المسلسل، تقدّم المحامي الدكتور ربيع بركات، بإخبار إلى النيابة العامة المالية على خلفيّة «مخالفات ماليّة مرتَكبة في وزارة الطاقة والمياه، مِن قبل الوزارء المتعاقبين: جبران باسيل، أرتور نظريان، سيزار أبي خليل، ندى البستاني وشركة «نيدز» و»مؤسسة كهرباء لبنان»، وكلّ من تدخّل وساهم في هذا الملف، لكَون هؤلاء الوزراء قد حصلوا على منافع شخصيّة من الشركة والعقود ومنها توظيفات، ولم تقم الشركة بواجباتها ولم تنفّذ العقود الّتي وقّعتها وقبضت الأموال لأجلها، لا، بل مارست الغش والتضليل». وطالب الإخبار بـ»إلزامهم باسترداد هذه الأموال لصالح الخزينة اللبنانية».
في الواقع، تحيط علامات الشكوك بوزارة الطاقة نظراً للكلفة الباهظة التي تكبدها قطاع الكهرباء وكلّف الخزينة العامة ديوناً استثنائية، ولذا تتعامل القوى السياسية مع وزراء الطاقة على قاعدة أنّ «جسمهم لبيس» للاتهامات، أياً كان مصدرها. فمن هي «نيدز»؟
في بداية صيف 2010، وبالاستناد إلى «ورقة قطاع الكهرباء» التي أقرّها مجلس الوزراء في العام نفسه، تعاقدت وزارة الطاقة والمياه مع شركة «نيدز» وتبين أن هدف العقد الأساسي تغطية أجور «جيش» مستشاري وزير الطاقة حينها. وفي العام 2011 فُرض على المؤسسة توقيع عقد مع هذه الشركة بقيمة 10 ملايين دولار لمدّة 4 سنوات، بهدف وضع دفاتر شروط مشروع مقدمي الخدمات (خصخصة إدارة الجباية والتوزيع وتركيب العدادات الذكية)، وتقويم العروض والإشراف على حسن تنفيذها مع الشركات الخاصة الفائزة والتزام دفاتر الشروط.
وفازت هذه الشركات بعقود رضائية خيالية تخطت قيمتها الـ700 مليون دولار، على 4 سنوات، وذلك بناءً على التقويم الذي أجرته شركة «نيدز» نفسها للعروض الفنية والمالية. يومها وضعت هذه الشركة الاستشارية تقديرات «مغرية» لنتائج المشروع وأهلية الشركات الملتزمة، منها زيادة الجباية بقيمة تصل إلى 303 ملايين دولار وزيادة الأصول بقيمة 380 مليون دولار، أي ما مجموعه 683 مليون دولار، ما أوحى أن كلفة العقود مع الشركات المذكورة مبررة وتنطوي على منافع جمّة، أبرزها ضبط الهدر الفني والحد من سرقة التيار الكهربائي وتركيب «العدادات الذكية»، وهو الجزء الذي مثّل أحد أهم أهداف المشروع.
لا بل يقول بعض المتابعين لهذا الملف، إنّ كلفة هذه العقود تخطت المليار دولار التي صرفت ضمن القانون 181 الذي أقر في العام 2011، والذي تضمن برنامجاً معجلاً لأشغال كهربائية لإنتاج 700 ميغاوات ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية، والذي خصّص اعتماد عقد إجمالياً قدره 1772 مليار ليرة (فقط ألف وسبعمائة واثنان وسبعون مليار ليرة لبنانية).
منذ انطلاق المشروع، كانت الشكوى عارمة من أداء الاستشاري. وفي الحصيلة، فشلت الشركات الخاصة في تنفيذ الكثير من بنود العقود، وأهمها «العدادات الذكية»، وارتفعت الأكلاف بالمقارنة مع السابق من دون أي تحسين ملموس في الجباية والأصول. بل إن إخراج «نيدز» حصل في ذروة سجال مع الشركات في شأن حسومات «جزائية» على الشركات الثلاث، بقيمة تصل إلى 100 مليون دولار، بتوصية من الاستشاري، وذلك نتيجة الفشل في مؤشرات الأداء وفي تركيب العدادات الذكية.
وبالفعل، في 31 آذار 2016، خرجت شركة «نيدز» من وزارة الطاقة، لكن شركات مقدمي الخدمات استمرت في عملها، ويُنتظر انتهاء العقد العام المقبل، ولكن من دون أن تتمكن من تنفيذ أحد أبرز أهداف مشروعها، وهو تركيب العدادات الذكية. المفارقة-الفضيحة، تكمن في الطلب الذي رفعته مؤسسة كهرباء لبنان حديثاً إلى مصرف لبنان لتأمين الدولارات المدعومة لسداد مستحقاتها، حيث تبين أنّها تريد مبلغ 312.9 مليون دولار لدفع قيمة العقود بينها 80 مليون دولار بدل كلفة عقود مقدمي الخدمات، وقد تبين أنّها تشمل أيضاً تركيب عدادات ذكية!
من الواضح أنّ هذا الادعاء، وفق احدى الجهات المدّعى عليها يندرج ضمن اطار الحرب السياسية القضائية الحاصلة في البلد على أكثر من جبهة، لكنه قد يؤدي بالنتيجة الى تبرئة الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة لكونه فارغاً، خصوصاً وأنّ شركة «نيدز» تركت الوزارة على خصومة وليس على تفاهم مع القيمين عليها.