ليس من المستبعد أن تطول الأزمة الدبلوماسية بين قطر وستة من دول الشرق الاوسط وعلى رأسها السعودية التي أعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر متهمة اياها بدعم الجماعات الارهابية.
رغم بعض المناقشات التي جرت لحل الأزمة بين قطر ودول خليجية، الا انه اصبح مرجحا ان الأزمة ستستمر وسوف تؤثر سلبًا على قطر واقتصادها وتصنيفها وتثير خوف المستوردين من الغاز والذين يعتمدون على قطر، وعلى رأسهم بريطانيا التي تعتبر من اهم المستوردين اذ ان ٣٠ بالمائة من واردات الغاز البريطانية تأتي من دولة قطر الخليجية التي تواجه الآن تعطيلا في حركة الملاحة سيما وان قطر تعتبر اكبر مصدر للغاز السائل المبرّد.
أضف الى ذلك ان الغاز يعتبر من صادرات قطر الرئيسية وسوف يصبح اغلى سعرًا لأن سفنها سوف تضطر لايجاد منافذ جديدة خارج الخليج من اجل تزويدها بالطاقة. واذا كانت هذه العزلة التي فرضتها السعودية وحلفاؤها ستستمر لا بد من القول ان الآثار المترتبة على بيئة قطر ستصبح اكثر خطورة.
هذه العزلة يمكن ان تؤثر سلبًا على النموذج القطري وبيئة الاعمال فيه وعلى المالية العامة بشكل خاص وقد تستنزف الدولار الاميركي الذي بات مطلوبًا. ويحتشد عشرات السكان امام مكاتب الصرف الاجنبي خوفًا من ان تستمر الأزمة.
وسعت السلطات الى طمأنة السكان الى ان هنالك كميات كافية من الاغذية وان الاجراءات متواصلة للاستيراد علماً ان Maersk اكبر خط شحن بحري في العالم قالت انها لم تعد قادرة على نقل السلع الى داخل او خارج قطر «لدينا تأكيد بأننا لم نعد باستطاعتنا التحرك من والى جبل علي في ما يختص بالشحن الى قطر» حسبما افاد به متحدث باسم الشركة.
مع العلم ان واردات قطر في السلع الاستهلاكية تأتي عبر ارتباط اراضيها مع السعودية وهناك سلع ومواد اخرى تأتي عبر جبل علي، ميناء دبي الضخم، والذي يؤمن الشحن لمدن الخليج مثل الدوحة وغيرها.
ويعتبر جبل علي اهم ميناء في المنطقة والشريان الحيوي لدول الخليج وعلى ما يبدو ان قطر بدأت تفتش عن بديل له طالما لم يعد باستطاعتها الوصول الى جبل علي- وعلى سبيل المثال Qatalum وهو مشروع مشترك بين النروج وقطر للبترول لتصنيع الالومينيوم قد اجبر على البحث عن بديل «لأن طرق الشحن العادية اصبحت مقفلة امامها ولم يعد باستطاعتها الوصول الى جبل علي.
لذلك تبدو الامور وللوهلة الاولى انها حرب على قطر انما في مقابلة له مع شبكة CNBC قال وزير المالية القطري علي شريف العمادي ان فرض حصار اقتصادي على الدوحة سوف يؤدي حتمًا الى خسائر على الجميع وليس قطر وحدها.
واكد مرونة بلاده امام الصدمات الاقتصادية. وحسب قوله «كثير من الناس يعتقدون اننا الوحيدون الذين يخسرون في هذاالوضع، واذا كنا سنخسر دولارا فانهم ايضًا سيخسرون هذا الدولار» في اشارة الى مجلس التعاون الخليجي.
وقد تفاقمت الامور اقتصاديًا واذا ما استمر الوضع على هذه الوتيرة قد تضطر شركات التصنيف العالمية الى اعادة تصنيف قطر سيما Fitch بعدما وضعت قطر على درجة الائتمان السلبي الا انها لم تتبع ما فعلته S&P باعادة تصنيف قطر. وقد حذرت «موديز» من جهتها، من اعادة تصنيف قطر في المستقبل القريب اذا استمرت التوترات على حالها.
الوضع الحالي في قطر جدير بالاهتمام سيما وانها في وقت تنفق فيه ٥٠٠ مليون دولار اسبوعيًا لبناء الهياكل الاساسية وتستعد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في العام ٢٠٢٢.
تمثل قطر واحدة من اغنى بلدان العالم على الاطلاق لكنها تعتمد على جيرانها في التجارة والسفر داخل وخارج المنطقة وتستورد اغلب المواد الغذائية عن طريق السعودية التي اقفلت ابوابها الآن. ويبدو ان خلافات الماضي بين قطر والسعودية عادت الى الظهور للعلن الآن ولكن بحجم اكبر بكثير من اي وقت مضى- وهنا تطرح اسئلة كبيرة عن الوضعية واذا ما كانت ستتغير قريبًا حسبما يأمله البعض.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو مدى تشعب المشكلة ولماذا تهتم بعض الدول مثل الغابون والسنغال بهكذا أمر، أضف الى ذلك ان قطر مهمة سياسيًا للولايات المتحدة التي لديها اكبر قاعدة عسكرية في المنطقة A Udeid Air Base كذلك مقر الـ CENTCOM موجود في قطر.
لذلك قد تكون الولايات المتحدة آخر من يريد اندلاع هكذا ازمة في الخليج لكن من الواضح ان السعوديين والاميركيين يعملون متحدين ضد قطر لكن ذلك لا يعني ان الادارة الاميركية لا تحاول مع السعودية اضعاف ايران.
قد يتبادر الى الاذهان التالي: لماذا السعودية مستاءة من قطر ولماذا هذا الاهتمام من قبل العالم الغربي. اذا كان الجواب على السؤال الاول هو ان قطر عكرت صفو المملكة السعودية الا ان اهتمام الغرب بالموضوع مسألة ذات ابعاد سيما وحسب Barkey مدير برنامج الشرق الاوسط في مركز ويلسون ان مسألة قطر قد تعقد السياسة الاقليمية وتخلق ديناميات جديدة قد لا تفيد الولايات المتحدة وهي التي تقيم علاقات مع البلدين، الا ان السعودية هي اقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وعلمًا ان قطر كما سبق وذكرنا لديها قاعدة جوية امركية تضم حوالي ١٠٠٠٠ جندي اميركي فضلًا عن كونها اكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي المسال.
اما سياسيًا فان قطر اعلنت انها لن تخضع لوصاية او استسلام في وجه المحاولات لحصارها وخنقها وبالتالي لن تغير سياستها الخارجية والتمست الدعم من اصدقائها في انقرة وطهران.
هذا الوضع، قد يطور الامور بشكل جدي تستعمل خلالها قطر سياسات عدائية مثل اغلاق خط انابيب امدادات الغاز القطري الى الامارات او طرد ٢٠٠ الف مصري مقيم لكنها سبق واعلنت انها لن تلجأ الى هذه التدابير وان العمال المصريين سيبقون وستواصل ضخ الغاز بشكل طبيعي.
اما التوقعات فهي ان هذه الأزمة قد تزداد خطورة وتتفاقم، وهناك مخاوف من تدخل عسكري للتغيير وهذا يعني اشعال المنطقة جزئيًا او كليًا بما فيه من ضرر على الجميع دون استثناء وتهديد لأمن الطاقة العالمي.
ولا بد هنا ان نستذكر ما قاله الرئيس العماد ميشال عون في آخر قمة عربية: «أن خطورة المرحلة تحتم علينا أن نقرر اليوم وقف الحروب بين الأخوة بجميع أشكالها العسكرية و المادية والاعلامية والدبلوماسية والجلوس الى طاولة الحوار لتحديد المصالح الحيوية المشروعة لكل فريق واحترامها وإلا ذهبنا جميعاً عمولة حل لم يعد بعيداً سيفرض علينا. اللهم اشهد انني بلغت». هذا الكلام بحجم المرحلة.