IMLebanon

مهندس “الإستقلال الثاني”

 

 

مات أمس مهندس “الإستقلال الثاني” في لبنان. فجاك شيراك ليس رئيساً عادياً بالنسبة إلى بلدنا ولا ذكراه تمر كأي ساكن للقصر الرئاسي في الأم الحنون.

 

كان صديقاً للبنان بأبعد من المصلحة السياسية والفرنكوفونية. فامتزجت محبته الشخصية للرئيس رفيق الحريري بعاطفته التقليدية الديغولية تجاه هذا الجزء من الشرق الأوسط.

 

لولا جاك شيراك لربما تغير تاريخ لبنان. فهو الذي تصالح مع جورج بوش الابن بعد خلاف بلديهما على موضوع العراق وإسقاط صدام، ومن تلك المصالحة اتفق معه على استصدار القرار 1559 الذي فاجأ كثيرين في دمشق وبيروت وطهران ومهّد لحملة الاغتيالات.

 

لقّبه الرئيس جورج بومبيدو بـ”البولدوزر”، اذ أضاف الى قامته المديدة ديناميكية استثنائية جعلته يتولى رئاسة الوزراء مرات عدة ثم عمدة باريس التي أطلق فيها مشاريع انمائية وإبداعية غير مسبوقة وتسببت له لاحقاً بمتاعب الملاحقات والاتهامات. وضع الرئاسة هدفاً على مدى عقود لكنه لم يصل إليها إلا بعد هزيمته كممثل لليمين في مواجهة الاشتراكي الاطلسي، وبعد مساكنة مريرة انتهت بموت “الملك ميتران” عن 14عاماً في قصر الاليزيه.

 

 

يرحل شيراك وتطوي معه فرنسا سيرة الرؤساء الزعماء ليحل بعدها مفهوم الرؤساء الموظفين أو التقنيين الذين ما أن يغادروا القصر حتى يدخلوا غياهب النسيان. وشيراك كان زعيماً سواء حين ورث الجنرال في قيادته الديغوليين أو حين جلس في المعارضة أو تسلم الرئاسة بعد ذاك الملحد والمثقف والذي دأب على استشارة المنجمين.

 

وللرئيس الراحل لبنانياً ما له وما عليه. وإذ يسجل بأسف وقوفه في “ساحة النجمة” مؤكداً ان الوجود السوري “شرعي وضروري وموقت” فإننا لا ننسى أبداً قدومه إثر استشهاد الرئيس الحريري للتعزية وزيارته المؤثرة للضريح ودوره الأساسي في إخراج الجيش السوري وانشاء المحكمة الدولية لمحاكمة المرتكبين.

 

شيراك اللبناني ساندنا في “تفاهم نيسان” و”باريس-1″ و”باريس-2″ و”باريس-3″. نفخ في رئة حريتنا وسيادتنا واقتصادنا ما استطاع من أوكسجين غير مدرك اننا سنخنقها لاحقاً بالسلوك الذي لا يحتاج الى شرح طويل أو قصير.

 

فسلام إلى روح رمز فرنسي كبير كان أحد آخر اصدقاء لبنان الحقيقيين.