بعد 3 سنوات من «حكم المُعارضة»، عادت أحزاب السّلطة إلى نقابة المهندسين بكلّ أريحيّة، لتكون المعركة «على المكشوف» بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، رغم معاناة الطرفين في تشكيل اللوائح. فيما يُعاني المستقلّون من عمليّة «الطحن السياسي» التي تجري في «الكولا»
التقطت أحزاب السّلطة أنفاسها في نقابة المهندسين؛ هذا ما يبدو واضحاً من الأجواء التحضيريّة للانتخابات التي ستُجرى في 14 الجاري لاختيار نقيب و5 أعضاء في مجلس النقابة. فعلياً، صارت «الكولا» ساحة منازلة سياسيّة بين التيّار الوطني الحر وحلفائه الذين يرشّحون فادي حنّا لمنصب النقيب، وحزب القوّات اللبنانيّة وحلفائه الذين يدعمون ترشيح بيار جعارة. التجييش السياسي في أوجه في اللقاءات التي تُعقد يومياً في بيروت والمناطق لكسب معركة يعتقد من يخوضونها أنها ستضفي شرعيّة مسيحيّة خارج أسوار النقابة على من يفوز بها.وتعمل الأحزاب على استنهاض قواعدها حتّى قبل حسم تحالفاتها باعتبار أن لا «تسكير» لمعظم اللوائح. هذا ما يحصل مثلاً مع القوات التي تعاني أزمة تركيب لائحتها برئاسة جعارة، بعدما وضعت اللمسات الأخيرة على اتفاق مع تيّار المستقبل يستنسخ معركة نقابة المحامين بعمليّة «شانتاج» بين نقابتي بيروت والشمال، ويقوم على «ضخّ» القوات أصواتاً لمرشّح المستقبل لمنصب النقيب في الشمال مرسي المصري مقابل صبّ التيّار الأزرق أصواته في بيروت للائحة جعارة. فيما يؤكد متابعون وجود جناح داخل المستقبل غير مقتنع بهذا التحالف، يضمّ نقباء سابقين وخرّيجي جامعة بيروت العربية و«جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية».
رغم ذلك، حاول «الحريريون» إظهار حُسن النوايا عبر شد عصب قاعدتهم الشعبيّة لإنجاح الإفطارَين اللذين دعا إليهما جعارة في بيروت وإقليم الخروب، وحضر الأمين العام للتيار أحمد الحريري شخصياً إفطار بيروت دعماً لجعارة. وهو ما يصفه متابعون بأنّه استراتيجيّة ذكية ستؤدي إلى فوز محسوم لمرشحهم في الشمال عبر أصوات «معراب»، ومن دون أن يقابل ذلك فوز محسوم لجعارة في بيروت. مع ذلك، لم يُحسم الاتفاق على اللائحة المشتركة في ظل ما يتردد عن رفض القوات طلب المستقبل ترشيح سني ثان إلى جانب ناصر عيدو على اللائحة، وهو ما ينفيه أحد مسؤولي التيّار.
أزمة القوات تتجلى أيضاً في تقلّص قدرتها على الحشد وهو ما بدا واضحاً في انتخابات المرحلة الأولى بعدما فشل حزب سمير جعجع في تحقيق خرق في الفرع الأوّل (فرع المهندسين المدنيين الاستشاريين) وإيصال مرشّحه وأحد رموزه، إيلي كرم. ويزيد الطين بلّة ما يُشاع عن نقمة داخل قاعدة حزب الوطنيين الأحرار على جعارة الذي شغل سابقاً منصب الأمين العام للحزب قبل استقالته وما رافقها من حملة ردود وردود مضادّة خرجت إلى الإعلام.
في الخلاصة، سيكون تحالف القوات مع المستقبل بمرشحٍ واحد على الأغلب، ومع حزب الكتائب عبر المرشّح وليد حداد، إضافة إلى المرشحَين القواتيين جاك غصن لعضويّة مجلس النقابة وجويس المتني في الفرع السابع، فيما سيكون النقص فادحاً في اللائحة لجهة المرشحين المسلمين. هذا اليأس دفع بالقوات إلى فتح قنوات التواصل مع أكثر من مرشح، من بينهم «تجمّع مهندسي لبنان» لترشيح محمد الجباوي على لائحته علماً أنّ الأخير منضوٍ في ائتلافٍ مُعارض، فيما شقيقه هو ممثل حزب الله في مجلس النقابة!
أزمة لائحة «التيار»
وإذا كانت «القوات» تُعاني من جراء قلّة التحالفات وعدم قدرتها على خوض معركة بلائحة مكتملة، يعاني التيّار الوطني الحر من «تُخمة تحالفات». التحالف الأوّل بينه وبين حزب الله محسوم، فيما الاتصالات مستمرة مع حركة أمل للوصول إلى تسوية. ويتردّد أنّ مطلب أمل يتمحور حول أمانة السر في النقابة، ما يعني تخلي حزب الله عن أحد المقربين منه توفيق سنان الذي سيبقى عضواً في مجلس النقابة حتّى السنة المقبلة. غير أن مسؤولي الحركة والتيار ينفون ذلك ويؤكدون أنّ الاتصالات بينهم لم تصل إلى مرحلة الدخول في تفاصيل المراكز، ولا تزال عند نقطة تقريب وجهات النّظر والاتفاق العام والشامل.
انخراط «أمل» في اللائحة يعني لبعض المتابعين حُكماً اقتراب التحالف بين التيّار والحزب التقدمي الاشتراكي بعدما أكّد مسؤولو الأخير أن لا فيتو نهائياً على حنّا وعلى إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، خصوصاً أنّ الاشتراكي يُراهن على معركة إيصال مرشّحه فراس بو دياب إلى مجلس النقابة بعد نحو عامين من الابتعاد عنه.
تحالف مقايضة بين القوات والمستقبل وأمل أقرب إلى مرشّح التيّار
التحالف بين التيّار وأمل والاشتراكي، إذا ما تم، يرجّح كفّة حنّا، لكنه يؤدي إلى أزمة كبرى في كيفيّة تشكيل اللائحة، مع إصرار التيّار على أن يكون هناك توازن طائفي فيها: 3 مرشحين مسيحيين بمن فيهم النقيب و3 مرشحين مسلمين، فيما يعيق التحالف هذا الأمر لوجود 4 مرشحين مسلمين (اثنان شيعيان وسني ودرزي)، فيما التواصل مستمر مع الجماعة الإسلامية، وكذلك مع جمعية المشاريع الخيريّة التي رشّحت مسؤولها للمهن الحرّة أحمد نجم الدين. في حين أن «تضحية» حزب الله بمرشّحه في الفرع السابع عباس صباح للإبقاء على المرشحة المدعومة من التيّار فيكتوريا دواليبي ستثير أزمة تأمين حشد قواعد الحزب للمعركة من دون أن يكون له مرشّح!
يرفض حنّا في حديثه لـ«الأخبار» الدّخول في تفاصيل تشكيل اللائحة، مؤكّداً أنّ الاتصالات مع جميع الأطراف «مبنيّة على كيفيّة بناء النقابة وتطويرها وليس على المصالح الحزبيّة»، مشدداً على «أنّ التزامي الحزبي هو خارج النقابة، أمّا داخلها فأتعامل مع الآخرين كمهندس مستقل. ولذلك، لم أؤثر كما آخرين أن أخلع عني هذا الالتزام خلال ترشيحي وتقديم نفسي بطريقة مغايرة عن الواقع».
المستقلّون بين الأحزاب
حنّا الذي يتحدّث عن استقلاليته، ينافسه آخرون على المركز نفسه يعرّفون عن أنفسهم بأنّهم مستقلون من دون التزامات حزبيّة، رافضين مبدأ الانتخابات على أساس المحادل التقليديّة وتحويل النقابة إلى «ساحة للنزال السياسي على حساب مصلحة المهندس وغياب المشاريع الحقيقيّة» أو حتّى الاتهامات بعدم وجود «غطاء مسيحي» لهم لوجود التيار والقوات والكتائب في مقلبٍ آخر. أوّل هؤلاء نائب النقيب الحالي جوزيف مشيلح الذي راكم خبرةً نقابيّة منذ عام 2000 حينما ترشّح مستقلاً غير آبهٍ بالتجييش الحزبي. ونجح في أكثر من مرحلة انتخابيّة آخرها حصوله على مركز نائب النقيب، مؤمناً بأن «مصلحة النقابة هي في إيصال المستقلين القادرين على التعاطي مع الجميع وإعلاء مصلحة النقابة من دون تحويلها إلى ساحة طحن سياسي». يعترف مشيلح بأن قدرة الأحزاب المالية والجماهيريّة لشد العصب قويّة، ومع ذلك «لسنا ضعفاء لكي نهرب، وفي الوقت عينه لا نعرض عضلاتنا ولكننا نحتكم إلى الديمقراطية، لأن القسم الأكبر من المهندسين هم من المستقلين».
بدوره، يؤكّد المرشح إلى منصب النقيب جورج غانم «أنني مستقل وهو أمر ثابت خلال مسيرتي في الشأن العام من دون أن يعني ذلك بُعداً عن الناس والأحزاب»، داعياً إلى «التّعاون من دون استئثار وسيطرة كما كان يحصل سابقاً». وانتقد بعض الجهات التي «تُحاول أن تجعل من هذا الاستحقاق ساحة للنزال السياسي والحزبي المستمر بينها دون الأخذ في الاعتبار المصلحة النقابية العليا، لا بل يسعون الى تصنيف من هم خارج اصطفافهم بالخوارج عن طوائفهم ومجتمعهم».
أمّا المستقل الثالث روي داغر المدعوم من «مصمّمون» فيُحاول إعادة رصّ صفوف الإطار المُعارض بعدما «فرط» جراء سوء الأداء خلال المرحلة الماضية، مقدّماً خياراً بديلاً من أجل استعادة دور النقابة.
واللافت كان أول من أمس حينما وافقت محكمة الاستئناف النقابية برئاسة القاضي أيمن عويدات على الطعن المقدّم من نقولا الشيخاني الذي فسخ قرار النقابة بعدم إمكانية ترشحه لعدم دفع فروقات مستحقاته الانتخابيّة بسبب التأخير الحاصل في إقرار الموازنة حتى تشرين الأول الماضي، بعدما أكّد مجلس النقابة أن الشيخاني تبلّغ بضرورة الدفع عبر رسائل نصيّة تلقّاها على هاتفه، فيما اعتبر عويدات أنّ هذه الرسائل ليست أداة تبليغ رسميّة.
وإذا كانت النقابة تدرس إمكانية الطعن في هذا القرار أو الالتزام به من ناحية الترشيح من دون السماح لشيخاني بالتصويت، فإنّ هذا الأمر سيفتح الباب أمام إمكانية تقديم طعون في العملية الانتخابيّة التي جرت منذ نحو شهر بعدما رفضت النقابة بعض المرشحين لأسبابٍ مماثلة.