ليست المرة الأولى التي تنتفض فيها النقابات على الأحزاب والقوى السياسية وتصوّت عكس التيار السائد. سبق لنقابة المحامين أن فعلتها، كذلك تصرفت نقابة المهندسين في بيروت مع وصول جاد تابت إلى موقع النقيب.
لكنّ لـ”الانتصار” الذي حقّقه إئتلاف “النقابة تنتفض” يوم الأحد الماضي، وقعاً مختلفاً، لكونه يأتي كترجمة طبيعية لحالة “القرف” التي يعيشها اللبناني مع كل “طلوع شمس” والنقمة التي يكنّها ضدّ المنظومة الحاكمة بكل أشكالها ومواقعها، ولكونه يأتي قبل أشهر قليلة من موعد مفترض للانتخابات النيايبة التي ينتظر منها أن تكون مصيرية، ولكونه يأتي بعد تجربة فاشلة سبق لهذه القوى الجديدة، المعروفة باسم “الحراك المدني” أو “مجموعات الثورة” أن خاضتها خلال الانتخابات النيابية السابقة.
ولهذا، تتسم النتائج التي تحققت يوم الأحد الماضي بأهمية لكونها تزيد من حجم التحدي الذي يواجه الأحزاب التقليدية فيما لو فتحت صناديق الاقتراع ولم يحل التمديد دون ابقائها في “مستودعات” وزارة الداخلية، كما تجعل هذه القوى الجديدة أمام اختبار نجاح تجربتها النقابية لكي تتمكن من اقناع الرأي العام بصوابية خطابها وسلوكها، مع العلم أنّ اسقاط مشهدية النقابات، بنتائجها وخطابها وكيفية إدارة معركتها، على الاستحقاق النيابي، فيه الكثير من المغالاة وسوء التقدير ذلك لأنّ للانتخابات النقابية خصوصيتها، كما للانتخابات النيابية محاذيرها وشروطها التي لا تنطبق على غيرها.
ومع ذلك، لا يمكن تجاوز ما أفرزته صناديق المهندسين ولا يمكن اغفال رسالة التصويت السلبي التي سجّلها هؤلاء بحق الأحزاب والقوى السياسية، ولا يجوز القفز فوق هذه التجربة الناجحة في إدارة المعركة بعدما تمكّن المنضوون في الإئتلاف النقابي من التغلّب على حواجز خلافاتهم… من دون أن يعني ذلك أنّ مشروع التقائهم في ائتلاف سياسي لخوض الاستحقاق النيابي وتوحيد ترشيحاتهم، سيكون قابلاً للحياة، أو معبّداً بالورود.
ولهذا يصبح من الضروري السؤال: كيف تمكنت هذه المجموعات من التفاهم على مشروع مشترك وعلى توحيد ترشيحاتها؟ ومن هي هذه المعارضة خصوصاً وأنّ تعبير معارضة فضفاض وقد يضمّ من “هبّ ودب” من القوى التي يكون لبعضها تاريخ طويل من العمل السلطوي؟
لا بدّ من الإشارة أولاً، إلى أنّ ائتلاف “النقابة تنتفض” ليس طارئاً. وهو عبارة عن منصة نقابية تمّ انشاؤها منذ أكثر من سنة، أي في الموعد الأساسي لاستحقاق النقابة، وقد ساعد تأجيله لمرات عدّة على توسيع إطار الإئتلاف وتكثيف جهود مكوناته وتذليل العقبات والخلافات التي كانت قائمة، إلى أن بلغ عدد المجموعات المنضوية تحته، حوالى 31 تنظيماً نقابياً ومجموعة بينها “بيروت مدينتي”، “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد”، “لحقّي”، “الحزب الشيوعي”، “مواطنون ومواطنات”، “الكتلة الوطنية”، “تحالف وطني” مجموعات “17 تشرين”… إلى جانب مهندسين مستقلين من خارج تلك الأطر.
وخلال المدّة الفاصلة تمكّنت هذه المجموعات، وبالتدرّج، من وضع آليات عمل تشاركية من خلال ست لجان عمل متخصصة، بينها لجنة اختيار المرشحين بعد وضع سلة معايير يفترض بأي مرشح أن يتمتع بها لكي يتبناه الإئتلاف، فيما تولت لجنة التنسيق الاتصالات بين المكونات وبين من هم خارج التحالف.
وفق أحد الناشطين في هذه المجموعات، فإنّه بعد 17 تشرين الأول، قررت بعض القوى التي شاركت في العمل الاعتراضي الميداني خوض الاستحقاقات النقابية، وهذا ما حصل في انتخابات نقابة المحامين في بيروت وذلك وفق خطة تعتمد معايير علمية وشروطاً مزدوجة ترتبط أولاً بالعمل النقابي وثانياً بأفكار “ثورة 17 تشرين”، وهذا ما ساعد على تجاوز الخلافات وبعض الاختلافات، وعلى تقديم نموذج مختلف عن الرائج، قائم على المصلحة النقابية والمشروع الوطني وليس الشخصانية. فانتخب المهندسون مشروعاً لا شخصاً، بعدما اقتنعوا أنّ هناك امكانية لقيام بديل عن المنظومة القائمة.
إلى جانب حملة التجييش العامة، اشتغل الإئتلاف وفق ماكينة انتخابية منظّمة ضمّت أكثر من 500 ناشط عملوا على الأرض ضمن مجموعات توزعت الاتصالات المباشرة مع المهندسين إما على قاعدة الجامعات التي تخرجوا منها، أو كبريات الشركات… والعمل على شرح البرنامج وتقديم المرشحين. ووفق الآلية التشاورية ذاتها، سيقوم الإئتلاف باختيار مرشحه لمركز نقيب المهندسين في بيروت، لتبدأ تحضيرات المعركة.
لكن ألا يخشى التحالف أن يفشل في سلوكه النقابي عشية الانخراط في معركة الانتخابات النيابية؟
يقول أحد الناشطين إنّ الرهان هو على المشروع وليس الأشخاص، ولذا حين يخطئ الأفراد ستحصل مراجعة ومحاسبة، وهذا أحد شروط تبني أي ترشيح، لأنّ التحالف لا يسعى إلى تغطية الأخطاء، وإنما المعالجة.