IMLebanon

إنتخابات المهندسين: حتى لا يتحوّل الخلل الى عطب

أخرج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المواجهة من الشارع واعادها الى طاولة المفاوضات وفتح باباً على تسوية سياسية من اجل وضع قانون انتخابي جديد لو مهما طال الزمن.

اذن «الحدث» اليوم هو قانون الانتخابات لكن مهلة الشهر التي اعطاها فخامة الرئيس ربما تكون كافية من اجل البدء بالتفكير جديآ بوضع القانون العتيد واجراء انتخابات على اساسه، من هنا قررت الكتابة عن انتخابات نقابة المهندسين من اجل استخلاص العبر في الانتخابات النيابية المقبلة وكون الوقت لا يزال كافيآ للكتابة عن قانون الإنتخاب.

انتخابات المهندسين… واستخلاص العبر

كان يمكن لإنتخابات نقابة المهندسين ان تمر من دون ضجة ومن دون ان تثير الإهتمام والجدل لولا الدلالات والمعاني التي انطوت عليها والإشارات السياسية التي اطلقتها في اكثر من اتجاه.

فهذه الإنتخابات لم تكن فقط «تقنية ونقابية» ولا تُقرأ نتائجها في ارقام الرابحين والخاسرين، وانما تُقرأ بين السطور وما وراء الأرقام.

نقابة المهندسين هي اولاً نقابة مهمة جداً وتُعدّ من ابرز نقابات المهن الحرة واكبرها حجماً مع انضواء عشرات الآلاف فيها وملامسة اعضائها عتبة الأربعين ألفاً.

والمهندسون هم الفئة الأكثر إسهاماً في إعمار البلد وإنمائه ونهضته وتقدّمه، والأكثر مواكبة للتطور والحداثة وروح العصر. ولكنهم ايضاً جزء من هذا المجتمع ويتفاعلون مع قضاياه ومشاكله وينتسبون الى الأحزاب او يبتعدون عنها وينزعون الى الإستقلالية، يوالون الطبقة السياسية او يعارضونها وينشدون التغيير والأفضل.

نقابة المهندسين هي النقابة الأكثر تماساً مع المجتمع المدني والأكثر تعبيراً عن «نبض» هذا المجتمع ولإتجاهات الرأي العام، ولذلك فإن اول ما استوقفني في الإنتخابات الأخيرة كان فوز المرشح المستقلّ جاد تابت بمركز النقيب، وخسارة مرشّح تحالف الأحزاب «بول نجم».

ورغم الفارق الضئيل بين الخاسر والرابح الذي لم يتجاوز ال 25 صوتاً، الا ان حجم المعركة الإنتخابية التي اقترع فيها نحو تسعة آلاف مهندس، وحجم الإئتلاف السياسي الحزبي الداعم لمرشح «التيار الوطني الحر» والذي يضم الى «التيار» (القوات اللبنانية، وحزب الله، وحركة امل، وتيار المستقبل) كل ذلك يدفع الى التوقف عند النتيجة وقراءتها مليّاً وبتمعّن خصوصاً من جانب القوى والتيارات السياسية المعنية اولاً بهذه الرسالة وللإتعاظ مما حدث واخذ العبرة.

ما حدث في انتخابات المهندسين يشبه ويكمل ما حدث في الإنتخابات البلدية العام الماضي، وما فعلته لائحة « نقابتي» هو امتداد لما فعلته «بيروت مدينتي» في بيروت.

صحّ ان «بيروت مدينتي» لم تفز في الإنتخابات وانما حققت ارقاماً عالية وملفتة، وصحيح ان «نقابتي» لم يفز الا رئيسها ولم يصل احد من اعضائها الى مجلس النقابة، ولكن هذه النتيجة المدوية كانت وحدها كافية لتظهير حالة في المجتمع تتنامى اقرب الى حالة التمرّد على الطبقة السياسية وعدم الإمتثال لتعليماتها ورغبتها الجامحة في احتكار التمثيل على كل المستويات.

من «بيروت مدينتي» الى «نقابتي»، الرسالة واضحة ولا مجال لإنكارها او تجاهلها او التقليل من شأنها، وعلى السياسيين وقادة الأحزاب ان يأخذوا في الإعتبار هذا التغيير الحاصل في المزاج والمناخ الشعبي والناجم عن فقدان الثقة باغلبية الطبقة السياسية التي عليها ان تبذل جهوداً كبيرة لإستعادة هذه الثقة وما تبقى منها.

لا يمكن التغاضي عن واقع يفيد ان هناك «ازمة ثقة» تتدحرج مثل كرة الثلج، وان هناك «هوة فاصلة» آخذه في الإتّساع مثل وادٍ سحيق بين الناس والسياسيين، بين الشعب والحكام.

فإذا لم يتم أخذ مجمل هذا الواقع بعين الإعتبار والتعاطي مع المشكلة بجدية ومسؤولية، فإننا سنجد تكراراً لنماذج «بيروت مدينتي» و»نقابتي» في الإنتخابات النيابية المقبلة وعلى نطاق اوسع ومن دون ان تكون اي منطقة او طائفة مستثناة من التغيير الحاصل واجواء النقمة والتمرّد، وستحدث مفاجآت وتحولات وانتفاضات.

 الوجه «المسيحي» لانتخابات المهندسين…

بعيدآ عن «الوجه اللبناني» لإنتخابات المهندسين في معانيها ورسائلها، هناك وجه او جانب آخر «مسيحي» اذا صحّ التعبير ويتعلّق بواقع ومسار العلاقة بين «التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية».

فما حدث ان مرشح «التيار» بول نجم فشل في الفوز بمركز النقيب بعدما كان مرشح «القوات» نبيل ابو جوده اضطُرّ للإنسحاب في اليوم الأخير من الإنتخابات، وكانت النتيجة ان فاز المرشح الثالث المستقلّ جاد تابت على حسابهما.

«فالعونيون» المحوا الى مسؤولية «القوات اللبنانية» في سقوط مرشحهم بسبب تقصير او تواطوء وتشطيب لإسم رئيس اللائحة دون اعضائها، والقواتيون تحدثوا الى مسؤولية «التيار» في ما حصل بسبب إصراره على مرشحه وعدم الإفساح في المجال امام المرشح الذي سمّته «القوات اللبنانية» منذ ستة اشهر واحاطت علماً بها حلفاءها واولهم «التيار الوطني الحر».

حتى لا يصبح الإهتزاز سقوطاً

انتخابات نقابة المهندسين اكدت مجدداً على وجود خلل في العلاقة بين «التيار والقوات» وعلى ان التحالف المسيحي الثنائي يعاني من اهتزاز.

من هنا وحتى لا يتحوّل الخلل الى عطب وحتى لا يصبح الإهتزاز سقوطاً، فإن الثنائي المسيحي مدعو الى إجراء مراجعة عامة للعلاقة ولآلية التعاون والتنسيق لأن ما حدث في نقابة المهندسين ليس الأول من نوعه، وحدث اكثر في معرض التعيينات الإدارية التي يستأثر بها التيار وتشكو منها القوات لأنها لا تعطيها حقها وحجمها.

كما حدث شيء من هذا القبيل عند تشكيل الحكومة التي لم تُعط فيها القوات «وزارة سيادية» ولم تُعط مؤخرآ ايضآ اكثر من عضو مجلس ادارة في كازينو لبنان . والأمر لا يتوقف عند تعيينات ومراكز، وانما وصل الى مسائل مهمة اكثر وحصل بشانها اشكال وسوء تفاهم واحياناً سوء تنسيق كما الحال مع قانون الإنتخابات والمعركة التي خاضها «الثنائي المسيحي» لتحصيل القانون الذي ينتظره المسيحيون منذ سنوات بهدف تحسين تمثيلهم وتفعيل دورهم ونفوذهم في الحكم والدولة.

وكانت النتيجة ان هذا «الثنائي» لم يُوفّق في الحصول على القانون المرتجى ولم ينجح في معركة قانون الإنتخابات مثلما نجح في معركة رئاسة الجمهورية، والسبب يعود من جهة الى حصول تغيير في روحية العلاقة واهتزاز عامل الثقة والتنسيق فيها. ويعود من جهة ثانية الى سوء او نقص في الإدارة السياسية للمعركة.

وعلى سبيل المثال فإن «الثنائي المسيحي» لم يوسع دائرته ولم يشرك اطرافاً آخرين خصوصاً القوى التي اجتمعت تحت سقف بكركي يوماً وكذلك ممثلين عن المذاهب المسيحية الآخرى (الارثوذكس والكاثوليك والارمن والاقليات)، واعدوا قانوناً بديلاً عن قانون الستين المرفوض يجعل المسيحيين شركاء فعليين في هذا الوطن.

نصارح «التيار والقوات» بالقول ان اغلبية المسيحيين استبشروا خيراً وعلّقوا آمالاً بعد المصالحة الذي انجزتم والإتفاق الذي ابرمتم والإنجاز الذي حققتم.

فلا تدعوا مجالاً او مسرباً لأي إحباط وخيبة من جديد واعلموا ان الإتفاق المسيحي لم يعد ملكاً لكم وان لا عودة الى الوراء وان الخسارة لن توفر احداً اذا عاد زمن الخلاف والإنقسام… فاخذروا وتيقظوا، والعبر استخلصوا، ومن له اذنان سامعتان فليسمع.