خلافات في داخلها تهدد بانقسامات حادة
تعتبر نقابة المهندسين في بيروت الاكبر من حيث عدد المنتسبين اليها والأبرز لناحية الخدمات التي تقدمها في الطبابة والاستشفاء، بأقساط متدنية والداعم الأكبر للمهندسين وعائلاتهم ليس في الطبابة فحسب بل في التقاعد، وهي تعيش اليوم ضائقة غير مسبوقة جعلتها تتخبّط في عجز وتصوّب عليها أصابع المساءلة والمحاسبة حول الأسباب التي أدّت الى هذا الواقع الذي يعاظم الخشية من انهيار النقابة وتزايد عجزها وطمس التجاوزات التي حصلت.
مضت 5 أشهر من دون إجراء قطع الحساب الذي يحدد قيمة النفقات والواردات للسنة السابقة، وهذا مخالف للقانون، فمجلس نقابة المهندسين في بيروت رغم إقراره غالبية بنود موازنة العام 2023 – 2024 الا انه لم ينهِ العمل فيها، وثمة مخاوف من أن يطيح اي خلاف بشأن بند من البنود المتبقية البنود التي تم إقرارها سابقاً فيعيد النقاش الى نقطة الصفر. مع العلم، أن مشروع الموازنة هذا لا يصبح معمولاً به الا بعد ان يحصل على موافقة أكثرية المندوبين.
زيادة الإشتراك
أبرز ما خرجت به النقاشات بند يتعلق بزيادة الاشتراك السنوي المترتب على المهندس بقيمة 125 دولاراً لتأمين فئة AB و185 دولاراً لتامين فئة AA. وتعني AA التغطية الإستشفائية درجة أولى في كل المستشفيات الجامعية وغيرها، وAB تكون التغطية درجة اولى في المستشفيات غير الجامعية وB أي درجة ثانية في المستشفيات الجامعية. لتبلغ كلفة التغطية الإستشفائية للمهندس وزوجته وولدين كما علمت «نداء الوطن» من مصدر مطلع كالتالي:
لدرجة AB كما يلي: 125 دولاراً للمهندس و20 دولاراً لكل من زوجته واولاده.
وبذلك يكون المهندس سدّد للعام 2023 (255 دولاراً عنه و205 دولارات عن كل فرد من عائلته أي ما يعادل 870 دولاراً لعائلة من 4 أفراد زائد 185 دولاراً = 1055 دولاراً.
ولدرجة AA: زيادة بقيمة 365 دولاراً (185دولاراً للمهندس و60 دولاراً للفرد الواحد). فتكون الكلفة على المهندس وزوجة وولدين لبرنامج AA بقيمة 1235 دولاراً (870 دولاراً دفعة أولى و365 دولاراً دفعة ثانية).
5 أشهر من المراوحة مضت منذ بداية السنة النقابية في آذار (والتي تستمرّ لغاية 28 شباط)، لم يتخلّلها إجراء قطع حساب وإقرار الموازنة، اذ تمّ اعتماد القاعدة الإثنتي عشرية والتي كانت موازنة العام الماضي فيها أقلّ من نفقات السنة الجارية، علماً أن العجز المقدّر في موازنة النقابة والذي تمّ التوافق عليه يبلغ 10,340 ملايين دولار في صندوق التقديمات الاجتماعية.
أسباب العجز والتخبط
أما اسباب هذا العجز أو التخبّط فتعود كما أوضح مصدر مطلع لـ»نداء الوطن» الى التالي:
– سوء الإدارة وفرملة زيادة إشتراكات المهندسين في زمن الأزمات المالية والنقدية والإقتصادية وعدم تحويل «الليرات التي حصّلتها خلال العام 2022 الى دولارات ما أدى الى تآكلها، وحبس المصارف لأموالها.
– هدر 3 ملايين دولار «فريش» بسبب تكديس الإشتراكات التي تم تقاضيها في العام 2022 عندما كان سعر صرف الدولار بقيمة نحو 24 ألف ليرة، ولما حان موعد تسديد فواتير المستشفيات تمّ الدفع وفق سعر صرف بقيمة 50 الف ليرة.
– هدر 3 ملايين دولار بسبب الإستمرار باستقبال رخص الأمتار وفق سعر العام الماضي، فكان يجدر وقف استقبال الرخص الجديدة للعام الماضي لحين إقرار الموازنة الماضية التي تلحظ زيادة.
– الموجودات التي تبلغ أكثر من 100 مليار ليرة لبنانية لا تزال بالعملة الوطنية المنهارة، فبدلاً من تحويلها الى دولار وفق سعر 47 ألف ليرة، بات سعر صرف الدولار اليوم 90 ألف ليرة.
– كانت هناك موافقة من المندوبين بإصدار شيكات بقيمة 42 مليون دولار من الاحتياطي لتسديد فواتير المستشفيات الأمر الذي لم يحصل. اذ كل 4,25 ملايين دولار تعتبر كأنها مليون دولار نقدي. ما يعني انه لو اعتمدت طريقة الشيكات، كان بامكان ذلك ان يساهم بتوفير 10 ملايين دولار في الواردات.
– هذا الواقع أدى الى انقسام في الآراء داخل أعضاء المجلس الذي يتألف من 15 مهندساً والنقيب، ومن مجلس المندوبين المؤلف من 520 مندوباً للمهندسين المقدّر عدد العاملين منهم بنحو 50 ألفاً، فتعالت الصرخة وراحت قضيتهم منذ فترة تتفشّى الى العلن.
– تبين للتدقيق الخارجي عدم وجود عجز في نقابة المهندسين نظراً الى احتساب موجودات النقابة المتواجدة في المصارف بالعملة الأجنبية (والتي هي فعلياً «لولار» وفق سعر 15 ألف ليرة للدولار).
– استحواذ امين المال السابق شارل فاخوري على 103 آلاف دولار، وهي أموال موجودة في صندوق المهندسين مع علم النقيب بهدف شراء أدوية أمراض سرطانية وتسديد فواتير من دون إبراز أي فواتير. فرفع مجلس النقابة دعوى، علماً أن أمين المال السابق ردّ بانه يريد إعادة الأموال ولكن لا أحد يريد استلامها. ومثل تلك التصرفات والتهرب من تحمّل المسؤوليات تدلّ على قلة مسؤولية وهدر.
– الزيادة التي سيتم تقاضيها من اشتراكات المهندسين والتي حددت بـ125 دولاراً لفئة AB و 185 دولار لفئة AA و20 دولاراً لأفراد العائلة غير كافية لتسديد الفواتير الإستشفائية للعام الجاري.
– خفض نسبة إعادة التأمين في صندوق تعاضد المهندسين الذي تديره شركة Nextcare من 40% الى 30%. يعني ذلك، انه في حال تعدت الكلفة ما يحويه الصندوق وهو 30 مليون دولار يسدّد معيد التأمين نسبة 40% أي ما قيمته 12 مليون دولار. أما مع خفض النسبة الى 30%، فإن معيد التأمين سيدفع في السنة الجارية 9 ملايين دولار ويقع صندوق النقابة بعجز بقيمة 3 ملايين دولار.
رأي مجلس المندوبين
طفح كيل مجلس المندوبين اذ يترتب عليهم مناقشة الموازنة. وفي السياق قال مقرر هيئة مكتب المندوبين عبد النور صليبا (وهو من «النقابة تنتقض» و»مصممون» ) لـ»نداء الوطن» أن مجلس المندوبين لديه جملة من المطالب ولن يسكت على التخبّط القائم في النقابة:
– طالب بأرقام حقيقية عن الأموال الموجودة بالليرة اللبنانية وبالدولار.
– لن يرضى المندوبون بإعادة مبلغ الـ 103 آلاف دولار التي استحصل عليها أمين المال السابق بحجة تسديد فواتير إعانات لم تبرّر، من دون مساءلة ومحاسبة.
– اعتبر أن «تأخير الموازنة سببه التأخّر في قطع الحساب نتيجة عدم القيام بالتدقيق الخارجي الذي يؤكّد قيمة الموجودات في الخزنة فقط.
– موقف المندوبين عدم التوجّه لمناقشة قطع الحساب والموازنة اذا لم يتمّ البت بموضوع الدعوى ضد أمين المال السابق.
ربط قطع الحساب بالدعوى
في المقابل، إعتبر أحد أعضاء مجلس النقابة الحاليين أن «ربط قطع الحساب وإقرار الموازنة بالبت بموضوع الدعوى غير مقبول لأنه قد ننتظر سنوات لصدور حكم قضائي، فهل بإمكان إدارة نقابة بلا موازنة».
من جهة أخرى، ذكر صليبا ان «اعتراضات قُدّمت من أعضاء مجلس النقابة على الموازنة» وعضو المجلس روي داغر («مصممون») قدّم إقتراحاً بدعم من عدد من الأعضاء، بإنشاء صندوق استثماري لاطفاء العجز الموجود وتضمين الموازنة مشاريع إستثمارية منتجة تقام على عقارات النقابة. وتعمّم التجربة على كل فروع النقابة، لتحقق إيرادات للصندوق الإستشفائي وصندوق المتقاعدين على أمل تحصيل أموال المتقاعدين وتحديداً المعاش التقاعدي».
في حين كان هذا الاقتراح موضع انتقاد داخل مجلس النقابة، إذ قال أحد أعضاء النقابة: تم اعداد دراسة جدوى اقتصادية عام 2018 لمشروع شبيه بمشروع إستثماري مقترح في زحلة وتبين ان لا جدوى منه ولا ارباح تذكر. كما ان انشاء صندوق استثماري يتطلب تعديلاً للنظام نظراً الى أن جميع املاك النقابة تتبع لصندوق التقاعد».
ماذا ينتظر النقابة؟
إذاً أمام نقابة المهندسين تحديان ستخوضهما: أولاً اقرار مجلس النقابة مشروع موازنة ودعوة مجلس المندوبين للتصويت على قطع الحساب واقرار الموازنة.
ثانياً، تحدي صندوق التقديمات الإجتماعية والتقاعد. فالنقابة تمتلك ثلاثة صناديق مفصولة مالياً اذ لديها:
– صندوق النقابة الذي يتعاطى بأملاك وأمور النقابة التشغيلية.
– صندوق التأمينات الإجتماعية، علماً أن نقابة المهندسين هي صندوق تعاضد، تودع فيه الأموال وتسدّد فيه الفواتير للمستشفيات مباشرة.
– صندوق التقاعد والذي يضم أكثر من 2800 متقاعد ويترتبّ عليه تقديمات لهم بنحو 500 الف دولار شهرياً أي ما يقارب 6 ملايين دولار سنوياً. هذا الصندوق متجه نحو العجز بدوره لأن عدد المهندسين المتقاعدين يتزايد فيما زيادة المداخيل تنتظر إقرار الموازنة.
فإما أن يتمّ وضع مخطّط لسدّ العجز، تزامناً مع إجراء تدقيق وتحديد المسؤوليات من خلال المساءلة والمحاسبة وإما ستنفجر قنبلة المهندسين التي بدت بوادرها منذ عام حين «قصّرت» النقابة في تسديد مستحقات المستشفيات، فهددت هذه الاخيرة بوقف التغطية الإستشفائية للمهندسين وعائلاتهم. يومها تحججت النقابة بأن ودائعها في المصارف وهذا صحيح، ولكن الخوف اليوم من الخلل في إدارة «أموال النقابة».