في أعقاب تصويت المملكة المتحدة على الانسحاب من الاتحاد الاوروبي، ظهرت بوادر تباطؤ في اقتصادها مما دفع البنك المركزي الانكليزي الى التفكير بتدابير عدة من أجل تخفيف العواقب المحتملة.
لم يتأخر المركزي الانكليزي في اتخاذ خطوات للتصدي لمؤشرات التباطؤ التي ظهرت في الاقتصاد البريطاني، وعمد الى خفض اسعار الفائدة الى مستوى ٢٥،. بالمائة اي بتراجع ٢٥ نقطة مئوية عن سعره السابق اي ٠،٥ بالمائة.
ويعتبر هذا المستوى ادنى مستوى للفوائد منذ العام ٢٠٠٩. وأعلن البنك استعداده لاتخاذ تدابير اضافية لتحفيز الاقتصاد البريطاني بما في ذلك ضخ مبلغ ١٠٠ مليار جنيه في محاولة لاجبار المصارف على تمرير منافع هذا الضخ الى الأسر المعيشية والاعمال التجارية.
وأعلن مارك كارني ان هناك مجالا لخفض اسعار الفوائد اكثر في ظل فترة من عدم اليقين وفي سبيل التكيف مع الوضع الحالي. ويبدو ان الامور على تراجع في ظل خفض توقعات النمو للعام ٢٠١٧ من ٢،٣ بالمائة الى ٨،. بالمائة. كذلك توقعات زيادة البطالة الى مستويات قد تصل الى ٥،٧ بالمائة في العام ٢٠١٨.
يأتي خفض بنك انكلترا لأسعار الفوائد ضمن مجموعة من التدابيرالرامية الى مزيد من الحوافز النقدية لا سيما عملية التيسير الكمي والذي يعتقد المراقبون ان البنك المركزي سوف يعود اليها من جديد لاضفاء محفّز اضافي فوق خفض اسعار الفوائد . وقال مسؤولو البنك ان هنالك مجموعة متنوعة من الخيارات، ومن المنتظر اتخاذ تدابير ابتكارية جديدة من اجل تعزيز عملية الاقتراض.
لكن، وعلى ما يبدو، لا يملك البنك المركزي الانكليزي جميع الاجابات على الاسئلة التي تواجه الاقتصاد البريطاني، سيما وانه من المبكر التحدث عن كيفية الاداء خارج الاتحاد الاوروبي، لكنه يتوقع قيام صفقات تجارية جديدة مع الكتلة .
في المطلق، يعتقد الاقتصاديون ان الاستجابة يجب ان تكون اكثر تنسيقا ببن البنك المركزي ووزارة الخزانة ووكالات حكومية اخرى على خلفية كيف يعتزمون مساعدة النمو.
تنبغي الاشارة الى ان لجنة السياسة النقدية في بنك انكلترا وادوات اختيارها قائمة اساسا على النظر في اثر هذه التدابير على الاقتصاد والتضخم. وقد درست اللجنة ايضا وعن كثب التفاعل بين السياسة النقدية والقطاع المالي وضمان انتقال فعّال للسياسة النقدية الى الاسر المعيشية والاعمال التجارية مع مراعاة الاستقرار المالي لتبعات سياستها.
وسيكون الوقت كفيلاً بالحكم على الامور وكيفية تفاعلها وديناميكية السياسات المالية. لكن، وحسب مهندسي السياسات المالية لو لم تتخذ هذه الاجراءات لكان الانتاج اقل وارتفعت البطالة مما يعرض عودة التضخم الى مستوياته المستهدفة.
ويمكن للامور ان تتحسن من خلال برنامج شراء السندات سيما وان الحكومة البريطانية رصدت ٦٠ مليار جنيه استرليني لهذا البرنامج مما يزيد عملية التيسير الكمي لتصل الى ٤٣٥ الف مليار دولار. اما شراء سندات الشركات فوصلت الى ١٠ مليار جنيه استرليني من السندات التي تصدرها الشركات خارج القطاع المالي ونعني بالشركات تلك التي تساهم فعليا في اقتصاد المملكة.
هذا في المطلق ملخص السياسة المقبلة للحكومة البريطانية مع مؤشرات مستقبلية متشائمة في شأن النمو والتضخّم والبطالة. وقد لا تكون الامور على هذا القدر من التشاؤم في المستقبل القريب، وقد ينتظرون مؤشرات مقبلة الا انه وفي المجمل يبدو ان البنك المركزي الانكليزي يرى ان النمو سيكون قريبا من الصفر خلال الستة اشهر القادمة.
حسب روبرت بافليك، كبير الاستراتيجيين في Boston private wealth يمكن للمصارف ان تستفيد من هذه العملية الاقتصادية لأنها تشارك في تجارة السندات واصدار سندات جديدة للشركات. وهو يعتقد ان خفض اسعار الفوائد يسهم في انعاش بعض المصارف لا سيما JP Morgan و Citigroup ولذلك يعتبر ان تأثيرها ايجابي، وانخفاض اسعار الفوائد يعني اشياء ايجابية بالنسبة للشركات.
السؤال المطروح الان: ماذا وراء عدوانية المركزي الانكليزي ودخوله في عملية تيسير كمي قد لا تنتهي سيما وان الفوائد قاربت الصفر والمؤشرات وعلى ما يبدو متشائمة للغاية.
هل تكون اوروبا درسا لانكلترا علما ان اوروبا ومع فوائد تحت الصفر وعمليات تيسير كمي لا تنتهي ما زالت تعاني التباطؤ في النمو ونسب بطالة عالية، وما زالت بعيدة عن نسب التضخم المرجو لاقتصاداتها. وهل يعني كل ذلك ان انكلترا دخلت في هذه الدوامة والتي ولغايته لم تعط اية نتائج ايجابية والمصارف الأوروبية تعاني وكما نعلم من نسب عالية من الديون المعدومة (وصلت نسبة الديون المعدومة في اوروبا إلى أعلى مستوياتها وبلغت حاليا ١ تريليون يورو) مما يعني ان النظام المصرفي الاوروبي مهدد بالمطلق مع خياراته التي تقول وتسعى لعدم اسقاط المصارف على خلفية «Too big to fail» .
قد تكون لجنة السياسة النقدية في بنك انكلترا(MPC) استبقت الامور وفضلت عدم الانتظار في ظل مؤشرات غير متفائلة ومحاولة منها لتجنّب آثار سلبية على الاقتصاد. وعلى ما يبدو انه خيار السياسة المحتملة في المملكة المتحدة سيما وانه وحسب Carney حاكم المركزي البريطاني لا يوجد اي سيناريو اخر محتمل رافضا وبشكل قاطع ما يسمى مروحية الاموال او فوائد سلبية.
كل ذلك يبقى مرتبطا بمدى فعالية السياسة المالية الحالية وربما قد تذهب بريطانيا الى اسعار فوائد صفرية وزيادة عملية التيسير الكمي في ظل دوامة ضعف النمو وتوقعات متشائمة للأعوام المقبلة.
في المطلق الخيارات ليست كثيرة وتبقى محدودة وقد يسير كارني على خطى دراغي حاكم المركزي الاوروبي، وقد لا تفيد هذه السياسات وسط تراجع في النمو العالمي وخروج انكلترا من الاتحاد وعدم فعالية السياسات النقدية في هكذا أجواء.