IMLebanon

الحوار الإنكليزي ونبيه برّي الملك

ترطيباً لذاكرة الثقافة الميثولوجية التي يتحلّى بها الفرسان اللبنانيون وهم يطوِّقون طاولة الحوار الوطني، وحولها يتحاورون.

نذكّرهم، بأن أول طاولة حوار في التاريخ أقامها الملك الإنكليزي «آرثر» الذي كان يجسّد الملكية العادلة في الحرب والسلم، حين كان المجتمع البريطاني منقسماً على نفسه في صراع تناحري.

يومها… اشترط الملك أن تكون طاولة الحوار مستديرة تدليلاً على مساواة فرسانها، وأن يتم مع بدْء الحوار التخلّي عن السلاح توصلاً الى ضبط مظاهر العنف في إطار مؤسسي.

قصة طاولة الملك الإنكليزي «آرثر» التي تروى في نهاية القرن الخامس الميلادي، جديرة بأن تكون في القرن الواحد والعشرين مثالاً لطاولة الملك اللبناني «برّي» الذي يجسّد هو أيضاً «الملكية» العادلة قي الحرب والسلم، مع كل ما اكتسبته البشرية، وما اكتسبه الملوك من تطور حضاري وحواري على مدى هذه القرون.

السيد حسن نصرالله أطلقها، فردّد الصدى معظم القوى السياسية والحزبية، أعلن… واعلنوا، أنْ لا بديل من الحوار ولا سبيل غير سبيله، ولا مستقبل «للمستقبل» إلاّ به.

لقد أصبح الحوار أيضاً «حوار الضرورة» بعدما أصبح لبنان بفضل خفّة الربّان مركباً تائهاً في خضم الأمم وورقة صفراء في سلّة مهملاتها، وقُلْ: بعدما سقطت كل الفرص حيال ما تخبِّئه الحقائب الجلدية في اتفاق طائف آخر، وحيال تكرار القول: شكراً يا قطر.

نعم، لم يبق إلا أن نقارب الحوار بمسؤولية وعقلانية وجدّية وصدق، في معزل عن استكبار «الأنا» واستصغار «الأنت» وغرائزية الحس الطائفي والمذهبي، وإلّا فلن يقوم حوار بالمخادعة والمراوغة والإنغلاق والإستعلاء، ولا يستقيم بين مستقوٍ ومستضعف، أو بين مريض ومعافى.

ان أخطر ما يشوب الحوار هو ما يطرح فيه من مواد استهلاكية أو اختبارية، فيما يختزن كل فريق أفكاراً خلفية يحتفظ بها في موقعه الدفاعي متحيِّناً الفرصة الهجومية للإنقضاض على مواقع الضعف لدى الآخر، وإذ ذاك يصبح الحوار معركة من معارك الحرب المستترة بدل أن يكون معركة حميمة من معارك السلم.

لو أنّ القادة اللبنانيين يدركون أنه لم يبق أمامهم من خيار إلا السباق المتسارع نحو الحوار لإنقاذ لبنان، إن لم يكن إنقاذ لبنان من أجل لبنان، فليكن من أجل الذين يصلب لبنان إنقاذاً لهم، وليكن من أجل إنقاذ صيغته العالمية الفريدة التي هي اليوم العلاج السحري الوحيد للأمم المتخبطة بنزاعاتها الطائفية والمذهبية، فإما أن تتداوى بهذا الترياق شفاء لما ابتلعته من مذهبية السمّ، وإما أن تستمر في القتال الدموي حتى الإبادة.

أيها القادة اللبنانيون…

نناشدكم لمرة واحدة أن تلجأوا الى العقل، جربّوا… لعله لا يزال موجوداً.