IMLebanon

.. محفورة في الوجدان

يُصادف اليوم مرور عشرة أعوام على قيام ثورة الرابع عشر من آذار. صحيح ان هذه الثورة قامت على مبدأ إخراج لبنان من عهد الوصاية السوريّة، لكنها في الوقت ذاته حملت عناوين وشعارات عدةّ على رأسها المطالبة بالسيادة والحريّة والإستقلال ووقف مسلسل الإغتيالات المُكمّل في حصد نخبة من القادة وعشرات الأبرياء من اطفال وشيوخ ونساء.

شعار العبور إلى الدولة الذي حملته «14 آذار» وسارت به بين الألغام كان مُكلفاً للغاية وما زال. شعار دفعت ثمنه دماً، وجراحا ما استكانت ولا تذوقت للراحة طعم. جراح تنزف حريّة وتمسّكاً بأرض لم تبخل قافلة طويلة من الشهداء بريّها بدماء حرّة طاهرة مجبولة بتراب وطن كسر أبناؤه ذات يوم حاجز الصمت والخوف، فخرجوا يُنادون بحريّة عنوانها ورود حمراء كان فعلها أقوى من وقع المتفجرات.

بعد سنوات عشر ما زالت الذكرى محفورة في الوجدان ولو خفّ وهجها من حين إلى آخر. حافظت على مبادئها وظلت أمينة على العهد، لا للاحتلال، لا للوصاية، لا للاغتيالات ولا لضرب العيش المشترك ولا للتفريط بسيادة الوطن أو جعله رهينة بيد الخارج.

الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان السيد محمد علي الحسيني يقول في حديث الى «المستقبل»: ان ثورة «14 آذار» لعبت دورا مهمّاً في تاريخ لبنان حيث انطلقت في لحظة مهمة وحسّاسة من حياة وتاريخ الشعب اللبناني خاصة أنها استطاعت أن تُشّكل موجة وطنية إستقلالية إقتلعت النظام السوري المحتل من البلد. ولا بد ان نذكر أن اهم إنجازات «14 آذار» انها وحّدت اللبنانيين وأبعدت الطائفيين وجعلت الجميع تحت راية العلم اللبناني هاتفين بإسمه، فحلم كل مواطن لبناني كان أن يرى بلده مستقلاً رغم كلفة الشهداء المرتفعة التي نجمت عن هذا الإستقلال.»

وما إذا كانت «14 آذار» تمكنت في مكان ما من توحيد الشعب اللبناني، يلفت الحسيني الى أنه «في أي بلد وليس في لبنان فقط يمكن أن توحد الشعب او طائفة ومذهب، لكن في لبنان تحديدا هناك مشروع علماني بعيدا عن الطائفية تمكّن من تجميع فئة كبيرة من الشعب تصل إلى حد الثلثين تحت راية واحدة ومطلب واحد، قابله في الجهة الاخرى مشروع يُنادي بـ»ولاية الفقيه» لا يعترف بلبنان وطناً نهائياً لكل ابنائه إنما يعتبره محافظة تابعة.»

ويرى أنه «في لحظة مُعيّنة عندما كان لبنان أولوية لدى دول العالم كان لحركة «14 آذار» ايجابية فعالة جدّا، ولكن هذا التراجع أو التراخي في مكان ما جاء نتيجة تقلّب المشهد السياسي الذي يُشبه الدولاب الى حد ما، ومع هذا تبقى «14 آذار» تجربة ناجحة ولازمة وأساسيّة، وفي لحظة من اللحظات ستعود حاجة ضرورية وسوف تُفعّل حركتها من جديد.»

من جهتها تحدثت نائبة رئيس حركة «التجدد الديموقراطي» منى فياض الى «المستقبل» عن كل تلك الفترة بالقول: هناك إيجابية كُبرى يجب الإلتفات اليها وهي أن «14 آذار» ما زالت محافظة على وجودها وبقيت فكرة رفض الهيمنة المتعددة من أولوياتها. إنطلاقة هذه الثورة كانت مناسبة نادرة لن يكررها التاريخ في حياة الشعوب سوى بلحظات قد تكون قليلة جداً. اللبنانيون نزلوا كمواطنين وأفراد غير تابعين لأي تنظيم أو مذهب ليُعبّروا عن رغبتهم بتحرير أرضهم هاتفين بإسم السيادة والحريّة والإستقلال، هتافات لا تُنادي بها سوى الشعوب الحيّة والملتزمة بقضية مفصليّة.»

وتابع: «لقد بقي لبنان أولوية بالنسبة إلى «14 آذار» في ظل الخوف الذي يُمارسه الغير ضدنا والتصدي الذي نواجه به هذا الخوف والتهويل هو الذي يمنع الفريق الآخر من تحقيق أهدافه. فكرتنا الأساسية التي طالبنا بها يوم خرجت الناس في العام 2005 تزداد رسوخاً وفئة كبيرة من اللبنانيين ما زالت على الوعد». ونأسف «لكوننا اليوم بحاجة الى إنتفاضة ثانية للتخلّص من النفوذ الإيراني الذي حل مكان النفوذ السوري». وترى أن «هناك لبنانيين يستغلّون جنسيتهم لتطبيق أجندة فارسيةّ.»

وتنهي حديثها بالقول: سوف يُسجل التاريخ أنه رغم الاغتيالات المستمرة والتي وعدونا بالمزيد منها، ورغم فائض القوّة لديهم وسلاحهم المنتشر في كل زاوية وأمام كل منزل، ورغم الدعم المادي اللامحدود وحفلات التخوين والتهديد، بقيت «14 آذار» صامدة ومصرّة على العبور إلى الدولة النظيفة التي يطمح كل مواطن بالوصول اليها.»