خلال ساعات قليلة، قامت قوى الأمن الداخلي، صباح الإثنين في 11 كانون الثاني 2015، بإعادة النظام إلى المبنى «ب» في سجن رومية، من دون إراقة للدماء.
قاد العملية المقدم خالد عليوان الذي يستحق كل التقدير لانضباطه ولرباطة جأشه، في مختلف الظروف. لكن المقدم عليوان يعرف، من دون شك، الفرق الشاسع بين تلبية أوامر سديدة لاقتحام مبنى حكومي حوِّل من سجن إلى مركز قيادة لأعمال مخلّة بالأمن لإعادته إلى طبيعته، كما حصل منذ أيام، والامتثال لأوامر جائرة لاقتحام مبنى حكومي بغية تحويله من سنترال لوزارة الاتصالات إلى حصن لممارسات مشبوهة كما حصل في أيار 2011. من قال إن الموظف عموما والعسكري خصوصاً معفي من كل مسؤولية لمجرد انصياعه للأوامر، أية أوامر؟ هل الأوامر التي تقضي بقتل بريء أو بتغطية سرقة مال عام أو بالتغاضي عن حماية مواطن يجب على الموظف والعسكري تنفيذها أو يجب عليه التمرد عليها؟ وماذا يبقى من الدولة إذا اعتبر الموظفون والعسكريون أن صدور الأمر الجائر أو انتظار صدور الأمر بعمل بديهي ومتوجب يحلهم من احترام القانون؟
ما إن تمت العملية الأمنية في سجن رومية حتى خرج «السياسيون» جماعياً يقولون بفخر واعتزاز إن القرار السياسي قد صدر بإقفال «مركز قيادة إرهابية»، وأن صدور «القرار السياسي» المحمود معطوفاً، على «إطلاق الحوار»، هو الذي سمح بالقيام بالعملية الأمنية.
هل انتبه هؤلاء جميعا إلى أن تصريحات كهذه تمثل إقراراً بأن عدم صدور «القرار السياسي» خلال سنوات طوال أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى من اللبنانيين؟ وبأن عدم صدور ذاك «القرار السياسي» يتحملون هم مسؤوليته، إفرادياً وجماعياً، لأنه يعني تعطيلاً لمهام القوى الأمنية والسلطة القضائية، وهو ما يرقى إلى المشاركة في جرم متمادٍ وإلى تغطيته؟
هل انتبه اللبنانيون، ولا سيما منهم الذين تعرضوا للمآسي وللتجييش، في كل أنحاء البلد، وبالأخص في طرابلس وفي ساحل المتن الجنوبي وفي البقاع الشمالي، إلى أنهم تركوا عرضة للأذى لمجرد تعمد بعض «السياسيين» الامتناع عن اتخاذ «قرار سياسي» لحمايتهم، ولامتناع «أمنيين» و»قضائيين» و»إداريين» عن القيام بالواجب الذي يفرضه عليهم القانون بحجة انتظار «قرار» أو، كما يقال، «غطاء سياسي»؟
ألا تظن، حضرة المقدم، أن متاجرة «سياسيين»، يقتنصون إيحاءات الخارج أو يتلقّفون تعليماته، بأرواح اللبنانيين وبطمأنينتهم وبعزة أنفسهم، قد فاقت حد السكوت عنها؟ ألا تظن أن لاستسخاف العقول حدا؟ في لبنان، وفي سوريا وفي العراق وفي فرنسا؟
كل عملية قتل مأساة بنتائجها ومهزلة في دوافعها. فكيف بقتل الدولة وشعور المواطنة.