IMLebanon

كفى إحتكارات

بعد معارك أكثر من أربع سنوات لتحسين وضع المطار حين كنتُ وزيراً للسياحة، أدعو الجميع الى النزول الى حرم المطار للحكم بأنفسهم على الأوضاع الراهنة، علماً وللتذكير أنّ وزارة السياحة لا تملك أيّ صلاحيات في المطار على رغم أنه المنفذ الأساس للسياح والصورة الأوّلية التي تطالعهم عن لبنان.

أود أن أسرُد تجربة شخصية مرَرت بها أخيراً، حيث إنني كنت مسافراً الى لندن يوم السبت الواقع في 9/7/2016 عند الساعة 5:25 من بعد الظهر، وكنت قد توجّست خيراً حين تحدّثت مع رئيس أمن المطار الجديد ولمَست عنده التزاماً لتحسين وضع المطار واحترام حقوق المسافر دخولاً وخروجاً من لبنان، ولفت نظري موضوع تنظيم تاكسي المطار، وهو موضوع أخذ من وقتي الكثير، وما زلت أشعر بالحسرة في كلّ مرة يتمّ فيها استغلال السائح واللبناني لدفع تعريفات خيالية من دون رقيب أو حسيب.

ففي التاريخ المذكور توجّهت الى المطار، لأجد أنّ معبراً وحيداً مفتوحاً عند الحاجز قبل الوصول الى مدخل المطار. للوصول الى الحاجز المذكور بعد الخروج من وصلة الأوتوستراد وهي الوصلة المستعملة أيضاً للدخول الى الضاحية، لفت نظري أنّ الحاجز يستطيع تمرير سيارة واحدة لأنّه مفتوح على خط واحد والجميع يعلم مدى احترام الطابور في لبنان، والسؤال لماذا لا توجد ثلاثة خطوط مع ثلاثة حواجز لتنظيم الدخول الى المطار ممّا يوفر 35 دقيقة انتظار وحبة lexotanil والوصول الى المطار في جوّ سرور وراحة، وليس في جوٍّ من التعصيب والخوف من عدم اللحاق بالطائرة.

اعتقدنا أنّ عرقلة السير على الحاجز الاول ستعني تسهيلاً عند الوصول الى نقطة خروج المسافرين من السيارات، وقد قيل لي إنّ عدم السماح للتاكسيات بالدخول حسَّن الوضع كثيراً، لكننا فوجئنا بطابور آخر استلزم الوقوف فيه أكثر من 10 دقائق للوصول الى باب الدخول الى المطار، وكما يعلم الجميع هناك مدخلان، مدخل اليمين ومدخل اليسار وهنا تصطدم بسرّ رهيب إذا كان الأفضل التوجّه الى اليمين أو الى اليسار بحسب الرحلة، ولم أفهم حتى يومنا هذا لماذا لا توضع أرقام الرحلات ويُحدّد الباب الأسرع، وفي هذه الحالة تتّكل على الحمّال، الحاكم بأمره في مطار بيروت، ولكننا اتكلنا على الله وتوجّهنا الى اليسار لنُفاجأ بطابور يمتد الى أكثر من 30 متراً، كون آلة تفتيش واحدة فقط تعمل والحجة دائماً موجودة بأن لا عناصر كافية لتشغيل الآلات كافة، ولكن هناك عناصر كافية للمرافقة الشخصية ولشراء الحاجيات واصطحاب الاولاد الى المدارس. وقد استلزم هذا الطابور 20 دقيقة انتظار للخروج من مرحلة التفتيش الأولى.

لا يلمس المسؤولون المعاناة التي يعيشها كلّ مسافر من لبنان، ربما لأنهم لا يسلكون المسار العادي ليشعروا بقهر المواطنين المنتظرين. وكالعادة كانت هناك محاولات لتمرير بعض الاشخاص من دون الوقوف في الطابور إلّا أنّ العناصر الأمنية منعتهم بوشوشة بأنّ وزير السياحة السابق في الطابور وهو يراقبنا.

ويبقى السؤال: هل حقيقة لا توجد عناصر كافية لتشغيل ثلاث آلات سكانر دفعة واحدة، أم أنّ هذه سياسة مقصودة للحفاظ على مدخول لا يُستهان به لقاء خدمات الـVIP للسماسرة الذين ما زالوا موجودين مع بطاقاتهم في مطار بيروت بعكس التصريحات من هنا وهناك.

والسؤال الأبدي: لماذا لا تُخصَّص آلة لدرجة رجال الأعمال والدرجة الأولى، وهنا ليس لأنهم لا يستحقون أن يقفوا في الطابور ولكن بكلّ بساطة لأنّ هؤلاء يدفعون ضرائب مغادرة وغيرها من الضرائب أكثر من الدرجة السياحية، ومن حقهم الحصول على خدمة متطوّرة في هذا المجال، ولكنّ السماسرة لا يستسيغون هذه الفكرة.

يجب تفعيل الخدمات كافة في المطار، من خدمة الـVIP وغيرها من الخدمات مع الحرص على الإبقاء على لبنان كمقصدٍ تنافسي بين العواصم القريبة، وهذا لن يتمّ في ظلّ ذهنية احتكارية تمنع التنافس في كلّ شيء، فكلّ الدول اقتنعت اليوم بأنّ زيادة التنافس تزيد الأرباح، إلّا في لبنان ما زلنا نعتقد أنّ الربح مستحيل من دون الاحتكار. فبدلاً من معالجة احتكار الجوّ، نقلنا الاحتكار الى الأرض عبر إعطاء حصرية لتاكسي المطار في نقل الركاب من المطار.

يجب اليوم تقديم خدمات الـVIP إلى المسافر بطريقة راقية مع تأمين دخل للدولة من جراء هذه الخدمات، وليس كما يحصل اليوم لجيوب المافيات التي تَسرح على أبواب الطائرات، تساعد المسافرين المحظوظين مقابل إكراميات.

ويجب تقليص مراحل التدقيق، وكنا نجحنا بتقليصها الى 5 بعدما كانت 7 وربما ستُحلّ هذه المشكلة مع اعتماد جواز السفر الجديد البيومتري، عندها يكفي إطلاع شخص واحد على الباسبور قبل المغادرة، واعتماد سكانر عند الـCheck in تحوّل أوتوماتيكياً الى كلّ الجهات الأمنية في المطار، والأهم تنفيذ العديد من التحسينات من زرع عشب أخضر حول المدارج الى وضع أسوار جديدة، وتحسين موضوع التأشيرات، وشبكة الإعلان عن الرحلات، وزيادة عديد عناصر التفتيش في أوقات الذروة على آلات السكانر، مستوصف المطار، الخ…

ويبقى موضوع تاكسي المطار الآفة الكبرى علماً أننا لمسنا تنظيماً، ولكن أتى التنظيم ليُعزّز احتكار تاكسي المطار للخدمة، حيث منعت شركات التاكسي من خارج المطار أن تقلّ الركاب على باب المطار، بل يجب أن تتوجّه الى موقف آخر لتدفع مبلغاً خرافياً وهو 6000 آلاف ليرة لبنانية لست دقائق، وبالطبع في النتيجة يدفعها الزبون، كما أنّ الحمّال يستصعب نقل الحقائب الى الموقف ويفضّل الزبائن الذين تنتهي خدمتهم عند باب المطار، وبالتالي فإنّ هذا الاحتكار لتاكسي المطار غير مقبول، فكيف يُعطى هذا الحق الى فئة محدّدة وحرمانها لبقيّة سيارات الأجرة، علماً أنّ تعرفة تاكسي المطار هي مضاعفة عن التعرفة الرسمية. مع الإشارة الى أنّ التنظيم الأخير لم يخفض الضغط على مداخل المطار.

ألم يحن الوقتُ لإجراء مناقصة جديدة بالنسبة إلى السوق الحرّة تؤمّن حقوق الدولة؟ لأنّ هذه الخدمة مميّزة باعتراف الجميع ولكن حان الوقت لإعطاء الدولة حصّتها العادلة.

كما نتمنّى وعلى حسب التزام وزير الأشغال في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وعند تجديد حصرية شركة الطيران الوطنية تنفيذ الالتزام وتأسيس شركة طيران لبنانية تابعة لطيران الشرق الأوسط تؤمّن رحلات بأسعار تنافسية، وليس بالضرورة من مطار بيروت.

ألم يحن الوقت ليكون لنا مطار في البقاع ومطار آخر في الشمال؟ ألا يجب على لبنان في ظلّ الظروف الصعبة التي تمرّ بها المنطقة أن يقدّم خدماتٍ بأسعار تنافسية لنيل حصة الأسد من الترانزيت ومن الركاب اللبنانيين الذين يبحثون على خدمة أقل وأسعار أرخص؟

تبقى المعاناة حتى الوصول الى الطائرة ولا يسعني إلّا أن أذكر بكلّ وضوح وصراحة بأنّ استقبال مضيفات شركة الطيران الوطنية يشعرك أنك دخلت الى بيتك، مع ابتسامة وأهلاً وسهلاً على الطريقة اللبنانية. أما بالنسبة الى الخدمة على الطائرة فلا يسعني إلّا أن اعترف أنها بالمستوى المطلوب.

المطار يعكس صورتنا كمجتمع، وعدم الالتفات الى مطارنا في محاولة جدّية لتطويره، يكبّدنا خسائر حقيقية يوماً بعد يوم. وفي النهاية اتمنّى ألّا يتحوّل كلّ نقد إيجابي وكأنه معركة ضدّ أشخاص، لأننا نسعى الى خدمة بالمستوى المطلوب وبأسعار تنافسية وبمدخول محترم للدولة ليس إلّا.