ليس أفضل من الاستشهاد بكلام رئيس الجمهورية. فالرئيس هو المرجع الأول في البلاد. وكلامه مبني بلا شك على الخبرة والحكمة، ولكن، أولاً وأخيراً، على احترام الدستور والقانون.
قال فخامته حرفياً أمس: “إنني أمثل الدولة وهيبتها وأمثل كرامة اللبنانيين… فحق التظاهر لا يعني حق الشتيمة، وحرية الاعلام لا تعني حرية إطلاق الشائعات المغرضة والمؤذية للوطن…”.
يكفينا هذا القدر من الكلام لنمثُل متسلّحين به أمام قضاة محكمة المطبوعات الخميس المقبل، كونه حجة لنا وليس علينا، ويسفّه ذرائع من بات معروفاً لدى القريب والبعيد وهو يباهي بما افتعل من تحريض. ولو عمَّم فخامته ما قاله أمس على الرؤوس الحامية التي تعتقد أنها تستطيع الاقتصاص من “نداء الوطن” عبر مادة جزائية في قانون المطبوعات، لوفّر علينا وعليه هذه المواجهة التي أصبحت مُلكاً ليس للبنانيين فحسب، بل لسائر المنظمات الدولية المعنية بحرّية الصحافة، وهي مواجهة لم نسعَ إليها بل فرضت علينا من الوشاة وضيّقي الصدر والأفق في البطانة. هؤلاء الذين يقال انهم ملكيون أكثر من الملك.
نحن مع الرئيس في أنه يمثّل كرامة الدولة وهيبتها وكرامة اللبنانيين، ولذلك انتفضنا رافضين أن لا تكون له كامل الصلاحيات وأن تكون حكومته مهيضة الجناح لا تدري متى تعلَن الحرب عبر الحدود وهل إذا اشتعلت بين واشنطن وطهران سيبقى حجر على حجر في لبنان.
من أجل كرامته رفضنا أن تكون الجمهورية منتقصة السيادة، والدولة متعددة الجيوش، أمنها بالتراضي، ومعابرها الشرعية وغير الشرعية سائبة.
من أجل كرامته رفضنا أن ندفع ثمن سياسات الأمر الواقع التي تضمّنا إلى محور لا نقبله لا سياسياً ولا ثقافياً ولا مصلحة لنا بالتماهي معه وتُخرجنا من محيطنا وتضرب قوت مئات آلاف اللبنانيين، وتؤدي الدور الأول في تردّي الوضع الاقتصادي.
من أجل كرامته نتمسّك بالدستور، أي بهوية لبنان العربي، وبحرّية “المعتقد المطلقة” وبحرّية التعبير التي نصّ عليها في مقدمته وفي المادة 13 منه.
كرامتك فخامة الرئيس من كرامة اللبنانيين. ونحن نحترمها بإرادتنا وبالقانون. لكن حقنا بمعارضتك لا يستطيع أحد انتزاعه منّا. حقنا في الاختلاف مع سياساتك وتحالفاتك لن نتنازل عنه. وهو حقّ عبّرنا عنه ضمن أصول المهنة ووفق قواعد تدرّس في أرقى جامعات العالم الحرّ، وليس بسوقية أو بأسلوب مبتذل تعوَّد على تغذيته نافذون انتهازيون وسياسيون دنيئون محولين بعض الصحافيين والنقابيين الى أذلاء ومخبرين.
رفضتَ في كلامك أمس الشتيمة والشائعات المؤذية للوطن. ونحن معك. ولعلّك لو عاودت قراءة ما أُحِلنا بسببه على القضاء لاكتشفت أننا مارسنا مهنتنا بحرفيّة وبحرّية في آن. ونحن واثقون أنك ستسخر من تلك التهمة التي تتحدث عن الإيحاء بالتعرّض لكرامة الرئيس.
أوحينا نعم. لكن بوجوب استرداد الصلاحيات واكتمال أركان الدولة والسيادة، ولنفتخر جميعاً بجمهورية لبنانية لا شريك لها في القرار ولكي لا نكرّر مستقبلاً: “أهلاً بكم في جمهورية خامنئي”.
يريدون محاكمتنا على “الايحاء”. فليكن. نحن سقفنا الدستور. والحرية إرث لا نفرّط به إرضاءً لأحد على الإطلاق. هي قدس الأقداس ومن أجلها دُفعت وتُدفع الأثمان.