Site icon IMLebanon

«قانون الإثراء الجديد»… العبرة في التطبيق

 

تحوّل الضوء في الجلسة التشريعية الاخيرة من قانون العفو العام الى قانون الاثراء غير المشروع، الذي أُقرّ على رغم من اللغط الكبير الذي أحدثه داخل الجلسة وبعدها، إثر الالتباس الذي أحاطَ مضمونه واستدعى اعتراض بعض النواب الذين أكدوا أنه مخالف للدستور بسبب المادة 11 منه، ورأوا أنه يحتاج الى تعديل دستوري، فيما قال بعض مؤيّديه انّ هذا الالتباس في النص مقصود.

عام 2000 إتّهِمَ وزير النفط السابق شاهيه بارصوميان بقضية الرواسب النفطية، وسُجِن مع موظفين متورطين. وبعد مرور عام ونصف العام على سجنه، صدرَ اجتهاد قضائي يقول بمحاكمة برصوميان امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء كونه وزير سابق، فأُخرج من السجن بعدما طرحت قضيته امام المجلس النيابي، ولم تنل تهمته بالفساد تصويت أكثرية الثلثين النيابية آنذاك. ولذلك، أُفرج عنه، فيما أُبقِي على الموظفَين المشاركَين معه مسجونَين بعد ان صدرت في حقهما أحكام قضائية، أي على الطريقة اللبنانية «حوكِم الموظفون والرأس نفد».

 

وبالعودة الى قانون الاثراء غير المشروع، الذي أقرّ في الجلسة التشريعية الاخيرة، فقد أحدث ضجيجاً تشريعياً، ومن الممكن الطعن به امام المجلس الدستوري الجديد اذا تقدّم 10 نواب بهذا الطعن.

 

وفي هذا السياق، اكد رئيس المجلس الدستوري السابق عصام سليمان لـ»الجمهورية» أنّ الامر لَو يعود إليه لَكانَ رفضَ الطعن، إلا انه لا يعرف قرار المجلس الحالي، معتبراً «انّ قانون الاثراء غير المشروع الذي أقرّ أخيراً لا يتضمن أي مواد مخالفة للدستور، وأنّ المادة 11 منه هي ايضاً غير مخالفة للدستور لأنها تنصّ على انّ جريمة الاثراء غير المشروع هي جريمة عادية يُحاكم المتهم بها امام القضاء العدلي، وهذا غير مخالف للدستور، وتحديداً للمادة 70 منه، التي تقول انّ مجلس النواب يمكن ان يتهم رئيس الحكومة او الوزير بالإخلال بالواجبات الوظيفية. وتفسير الواجبات الوظيفية هو التقاعس عن القيام بمهمته كرئيس حكومة او كوزير، بما معناه انّ الإخلال بالواجبات الوظيفية لا يعني استخدام وظيفته لِنهب المال العام او للدخول في صفقات او لقبول الرشى من أجل اتخاذ قرارات معينة، فهذه تعتبر جرائم إثراء غير مشروع يُحاكم عليها في حال كان رئيس وزراء او وزير بحسب القانون الجديد امام القضاء العدلي، وليس أمام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

 

ويرى سليمان انّ المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء»عُلّقَ» لكي لا يُحاكَم أمامه اي مسؤول، وهو ـ في رأيه ـ عبارة عن «كذبة كبيرة» بعد أن عَلّق قبول الاتهام بتصويت ثلثي مجلس النواب، بمعنى أنه «لن نجد 86 نائباً يتهمون رئيس الوزراء او الوزير بالفساد في حال وُجّهت إليه تهمة الاساءة الى الوظيفة بالاثراء غير المشروع».

 

المطلوب تعديل الدستور

ولإزالة هذا الالتباس، يرى سليمان وجوب تعديل المادة 70 من الدستور، وإضافة الجملة التالية: «تعتبر جريمة الاثراء غير المشروع جريمة عادية يُحاكم المتهم بها امام القضاء العدلي»، لأنه من الممكن في المستقبل ان تُقام دعوى على وزير بتهمة الاثراء غير المشروع، فتستند المحكمة التي تنظر في القضية الى المادة 70 من الدستور التي تمنع المحاكمة العادية عن الوزير. وهنا، في رأي سليمان، قد يتهرّب القاضي من القيام بمسؤولياته لأسباب عدة…

 

من جهة أخرى، من المعلوم انّ التعديل الدستوري يتطلّب مبادرة رئيس الجمهورية، وهذه ليست بالأمر السهل في وقت يغرق الوطن في الفساد، وانّ معظم السياسيين متهمون بغالبيتهم بالانخراط في هذا الفساد. ولكن رئيس الجمهورية، في رأي سليمان، يمكنه طلب تعديل المادة 70 لمحاكمة هؤلاء السياسيين لأنّ عدم التعديل يعني الاستمرار في الفساد، ولن يتمكن القضاء من محاكمة الوزير، كما حصل سابقاً لملفات عدة أُحيلت الى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

 

ويقول البعض انه على رغم من حقيقة وجود المجلس الاعلى، إلّا انّ المشكلة تكمن في أنّ أحداً من المسؤولين لم يُحَل حتى اليوم للمحاكمة أمامه لأنّ التهمة تستوجِب تصويت أكثرية ثلثي اعضاء مجلس النواب، وهذا ما لم ولن يحصل. ويتساءلون: هل انّ طرح القانون في صيغته الحالية مقصود؟ أي هل اللبس والالتباس في النص مقصود؟

 

ماذا عن حصانة النواب؟

أمّا بالنسبة الى حصانة النواب، فهي تبقى أثناء انعقاد دورات مجلس النواب العادية، أمّا خارج الجلسات فلا حصانة لهم… بمعنى انّ ملاحقة النواب أثناء الدورات التشريعية تستوجِب من وزير العدل الطلب من رئيس مجلس النواب رفع الحصانة على النائب المتهم، فإذا رفعت عنه تتم محاكمته، أما اذا لم ترفع «يَنفد».

 

القضاء بين الماضي والحاضر

ويقدّم سليمان مثالاً عن الحصانة النيابية وطريقة مقاربتها لدى القضاء في الزمن الماضي مُقارنةً مع الزمن الحالي، مشيراً الى نائب بعلبك السابق يحيى شمص الذي اتّهم بالإتجار بالمخدرات… عندها، رفع مجلس النواب الحصانة عنه، فتمّ سَوقه الى السجن. وذكّر سليمان بقضية النائب نجيب صالحة في مطلع 1960، عندما اتهم بقضايا مالية، فطلبَ وزير العدل من مجلس النواب رفع الحصانة عنه، وعندما رفض المجلس رفع الحصانة انتظرَ القضاء انتهاء دورة المجلس النيابي، وفي ليلة انتهاء الولاية النيابية أصدر القضاء المعني منتصف الليل مذكّرة توقيف بحقه، وسِيقَ الى السجن.

 

«حصانة النواب تبقى أثناء انعقاد دورات مجلس النواب العادية، أمّا خارج الجلسات فلا حصانة لهم»