Site icon IMLebanon

يحق لـ «أبو تيمور» التقاعد.. ولكن

بري أبدى رغبة في تأجيل القرار

يحق لـ «أبو تيمور» التقاعد.. ولكن

 

على عادته، «يقول« رئيس «اللقاء الديموقراطي« النائب وليد جنبلاط كلمته و«يمشي«، فتنشغل الأوساط السياسية والإعلامية بإطلاق العنان لمخيلاتها وأقلامها تحليلاً وتأويلاً واجتهاداً لتفسير ما قصده جنبلاط أو ما ألمح إليه. نقلت عنه بعض الوسائل الإعلامية مؤخراً، أنه «يفكّر» بتقديم استقالته من المجلس النيابي تمهيداً لانتخاب نجله تيمور نائباً عن منطقة الشوف، ليبدأ مسيرته السياسية من بوابة ساحة النجمة، وسرعان ما أصبحت هذه «الفكرة» التي تدور في خلد جنبلاط مادة دسمة للتحليلات والمقالات، حتى أنها وصلت لتكون موضوع نقاش رسمي لدى الأوساط المعنية، وهذا ما ظهر خلال المقابلة الأخيرة لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مع برنامج «كلام الناس» الذي حاول إعطاء صورة عن «الموقف» الرسمي حيال خطوة مثل التي «يفكّر» بها جنبلاط.

عندما أطلق شكيب وهاب رصاصاته القاتلة باتجاه فؤاد بك جنبلاط، وكان يمتطي فرساً أبيض هي فرس «القومندان» الفرنسي الذي كان هدف وهاب على الأرجح، لم يكن المعلم الشهيد كمال جنبلاط قد تجاوز سن الخامسة بعد، فبذلت الست نظيرة جنبلاط جهدها في سبيل استمرار كمال في الدراسة وتهيئته لتولي المهمة التي «فرضت» عليه قبل أوانه، وهي زعامة المختارة وعشيرة «بني معروف»، وحلّ ابن عم كمال وصهره حكمت جنبلاط بديلاً مؤقتاً في مجلس النواب إلى أن يبلغ كمال سن الرشد.

وسلك المسار التاريخي طريقه ووصل كمال إلى الندوة البرلمانية وهو في سن السادسة والعشرين وأصبح زعيماً للمختارة والدروز بعد وفاة حكمت في العام 1943 وكان حينها نائباً عن جبل لبنان، كما لو أن «القدر» شاء أن يكون وصوله بهذه الطريقة، رغم أن «الرفيق كمال بك» لم يكن في وارد الانخراط في عالم السياسة وأنه أجبر على ذلك فقبل على مضض، لكن «على طريقته«.

ولعب القدر لعبته مرة جديدة وكان وليد في التاسعة والعشرين من العمر يوم أصابت رصاصات الحقد والغدر رأس وجسد الشهيد كمال جنبلاط، فاضطر الى أن يلبس عباءة الزعامة وكانت البلاد قد دخلت أولى مراحل الحرب الأهلية التي خاض غمارها «أبا تيمور» وكان أحد «أمرائها».

لم يكن كمال بك محظوظاً، فلم يتسنّ له مرافقة والده لكي يتعلّم فن السياسة، غير أن استثنائية شخصيته وحبّه للعلوم والفلسفة ساهما بشكل أساسي في صقل شخصيته السياسية وتحوّله إلى زعيم وطني استثنائي سيمرّ وقت طويل قبل أن ينعم لبنان بأمثاله.

وكذلك وليد، فهو ألبس «عباءة» الزعامة وكان في مقتبل العمر. ورغم أنه انخرط في العمل الصحافي لفترة من الزمن، إلا أن نمط حياته وهواياته كان أبعد ما يكون عن ذلك الذي يفترض أن يكون وريثاً شرعياً لزعامة المختارة، لكن القدر لعب مرة جديدة دوراً مهماً في دخول وليد بك إلى المعترك السياسي حيث أثبت أنه «زعيم« استثنائي وسياسي يُحسب له ألف حساب، علماً أنه لم يدخل إلى الندوة البرلمانية التي كانت معطّلة في حينه منذ العام 1972 وراح النواب يمدّدون لأنفسهم حتى العام 1991 وهو التاريخ الذي دخل فيه إلى الندوة نائباً «معيناً» عن مقعد الشوف الدرزي الذي خلا بوفاة والده.

لكن الحال مختلفة جداً مع تيمور جنبلاط، الوريث الشرعي والطبيعي لزعامة دار المختارة. فتيمور الذي ولد في العام 1982 (أي أنه في سن الثالثة والثلاثين) محظوظ إلى درجة يحسده عليها الكثيرون من أبناء جيله الطامحين إلى الوراثة السياسية. يكفيه أنه ابن وليد بك ويتتلمذ على يديه لكي يبشّر بمستقبل سياسي لامع وقيادة فذّة، وهو يشارك والده أسبوعياً في استقبال زوار المختارة ومرحلة التأهيل السياسية قد أكملها وفقاً لمصادر مقرّبة من والده، حتى أنه أصبح يوفده لتمثيله في اجتماعات محلية وخارجية.

لم يتسنّ لكمال بك، ولا لوليد بك، أن يتمرّسا في السياسة على أيدي أبويهما، لكن تيمور بالمقابل حظي بما حرما منه، ولا يزال يعاصر أحد أكثر السياسيين اللبنانيين حنكة، ثقافة وتأثيرا،ً وبذلك تفوّق على والده وجدّه بهذه الميزة. 

من حق وليد جنبلاط أن يقرر متى «يتقاعد»، كما من حقه أن يرتأي متى يحين موعد تسليم الشعلة إلى تيمور. لقد خاض وليد بك الحرب الأهلية، و«كابش» في نزاعات سياسية طاحنة، واضطر الى أن يحبس داخله شعوراً مريراً بضرورة أن يتناسى دون أن يسامح، وأن يتعامل مع نظام اغتال والده الشهيد كمال جنبلاط، واغتال بعده نخبة من أصدقائه بدءاً بالشهيد الكبير الرئيس رفيق الحريري ومروراً بـ «أبي أنيس» جورج حاوي، وصولاً إلى الشهيد الوزير محمد شطح. ليس لأحد أن يشكّك في أن وليد جنبلاط قد «تعب» حقاً، و»ملّ» كل هذه المآسي، ويريد أن يحظى بفرصة الاستمتاع بممارسة هواياته التي «حُرم» منها بسبب السياسة وأن يرتاح، وهو عبّر في تغريدة على موقع «تويتر» أنه بعد «38 عاماً بين وفاة كمال جنبلاط ووفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز أشعر بالحزن». 

لكن بالمقابل، تبرز أصوات كثيرة تطالب «أبو تيمور» بتأجيل القرار «الحتمي» فترة من الزمن، تارة بحجج قانونية ودستورية تتعلق بإمكانية قبول «استقالته» من المجلس النيابي وما إذا كانت الظروف ستسمح بإجراء انتخابات فرعية، وتارة أخرى بحجة أن استمرار وليد بك في الحياة السياسية حاجة ماسة وملحّة في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها البلد، ونقلت مصادر عين التينة عن الرئيس نبيه بري، «الصديق اللدود» لجنبلاط، تحديداً رغبته في أن يؤجل «أبو تيمور» قراره.

وكما كان وليد جنبلاط استثنائياً ومميزاً في سيرته السياسية، يريد الإقدام على خطوة تزيد من تميّزه حتى لو أنها جاءت خارج الإطار الطبيعي والتاريخي لآل جنبلاط، أو لباقي الزعماء السياسيين في لبنان. فمن الواضح أن كل زعماء المختارة تقاعدوا «قهراً» ولم يتسلّم الوريث عباءة الزعامة إلا «غصباً عنه»ـ لكن وليد بك يريد التقاعد طوعاً وتسليم العباءة لتيمور، من دون أن يعني ذلك مطلقاً أنه سيخرج من حلبة السياسة، وهو لم يقل ذلك، ولم تنقل عنه أوساطه المقربة أي إشارة من هذا القبيل، ولعلّه بذلك يرغب بإرضاء المتفاجئين من قراره أو الرافضين له.

وعلى ما قال الشاعر «تعب كلها الحياة» فمن حق وليد بك أن يتذمّر من التعب و»الحزن» الذي يعتريه في هذه الأيام، بعد مسيرة سياسية حافلة، لكن، من المتداول به عن العصور الملكية أن شعب المملكة كان يردّد شعار «مات الملك، عاش الملك» تأكيداً لاستمرارية السلطة والوراثة للعائلة المالكة، لكن طالما المليك حي، فإن لسان حال أهل المملكة يكون «يعيش الملك، يعيش، يعيش، يعيش».