العلاقة بين البنى التحتية والأنظمة الاجتماعية والسياسية والقانونية، علاقة مُثبّتة علمياً. وعليه، يتوجب على الدولة اللبنانية الإسراع في تحديث البنى التحتية عبر التكنولوجيا التي ستُشكل مدخلاً رئيسياً للخروج من الواقع التعيس الذي يعيشه لبنان إقتصادياً، سياسياً وإجتماعياً.
كل يوم صباحاً يقطع كل مواطن يقطن خارج العاصمة ويعمل فيها، مسافة كيلومترات من العذاب والصبر للوصول إلى بيروت. وبالطبع لا توجد وسيلة بديلة من التنقل بالسيارة نظراً لغياب النقل العام ورداءة الباصات الخاصة التي يظن سائقوها أنهم شومخر على حلبة الفورمولا 1.
يبقى السؤال ما هو الحلّ لساعات من الوقت المهدور وكلفة الطريق من البنزين وعمر السيارة؟ ناهيك عن الوقت الثمين الذي يحتاجه المرء لكي يقوم بأعمال كثيرة في عصر أصبح فيه الإنسان يقوم بنشاطات أكثر ويُحاول تعظيم الإستفادة من وقته؟
كارل ماركس وفرديريك أنغلز عرّفا البنى التحتية على أنها مفهوم يضمّ العناصر التي تدخل في الإنتاج. وإقترحا بناء عليه، ثلاثة أبعاد للبنى التحتية: بيئة الإنتاج (الطقس، الموارد الطبيعية)، القوى الإنتاجية (الأدوات والماكينات)، والعلاقات بين الأشخاص في إطار الإنتاج (الطبقات الاجتماعية، الإحتكار…). وذهب العالمان ماركس وأنغلز أبعد من ذلك بتعريفهما لما يُسمّى البنية الفوقية والتي هي نتيجة للبنية التحتية (بحسب ماركس).
هذه البنى الفوقية هي عبارة عن مجموعة الأفكار في مجتمع معين تشمل الإنتاج غير المادي والتي تمتلك ثلاث درجات: الأنظمة السياسية والقانونية، الأنظمة الفكرية، والوعي الذاتي (هيغل).
من هنا نرى أن البنى التحتية تلعب دوراً أساسياً في صقل النظام الاجتماعي ومن خلفه السياسي والقانوني. وهذه العلاقة هي على الشكل التالي: إن البنى التحتية تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد وعلى الإنتاج وبالتالي تدفع المُجتمع إلى إعتماد نظام إجتماعي وسياسي وقانوني معين نظراً لمعطيات الوضع الاقتصادي وحفاظاً على المكتسبات.
لكن الأهم هو أن إستمرار رداءة البنى التحتية لا يدفع الإنسان إلى تغيير نظامه الاجتماعي إلى الأحسن، لا بل على العكس تدفعه إلى الدخول في حلقة مُفرغة يُحاول من خلالها تخطّي العقبات بهدف الإستمرارية. وهذا ما يحصل في لبنان!
وحدها الثورات التكنولوجية كفيلة بكسر هذه الحلقة المُفرغة إذ أنها تؤثر على عوامل الإنتاج (على سبيل المثال تخفيف الكلفة، زيادة الكفاءة، وتقليل الوقت). لكنها أيضاً تؤثر على النظام الاجتماعي، وما مثال مواقع التواصل الاجتماعي إلا خير دليل على التغيير الجماعي للأشخاص الذين دفعتهم التكنولوجيا على سبيل المثال إلى إنتقاد الطبقة السياسية وهو أمرٌ ما كان ليحصل منذ عشرة أعوام أي قبل بدء الثورة الرقمية.
من هنا نرى أن حل المشاكل السياسية التي يتخبطّ بها لبنان لا تمرّ إلا عبر تغيير كبير في البنى التحتية وذلك لكسر التعلق بين الأفراد والطبقة السياسية والتي هي ليست بعلاقة وكيل (الشعب) وصاحب وكالة (الطبقة السياسية) بل هي علاقة طالب خدمات إقتصادية وإجتماعية (الشعب) ومانح هذه الخدمات (الطبقة السياسية).
• لكن ما هي البنى التحتية التي يجب تغييرها وكيف ؟
من المعروف أن الدولة اللبنانية تواجه مشاكل مادية جمّة، كما أن الفساد عند بعض أصحاب القرار يجعل من التغيير أمراً صعباً وخاصة مع ضعف الرقابة القضائية.
لذا لا يُمكن تغيير الوضع الحالي إلا عبر ثورة تكنولوجية. لذا ولتغيير البنى التحتية يجب إستخدام التكنولوجيا الرقمية التي من المّمكن أن يكون لها دور أساسي في كل البنى التحتية الاقتصادية والإجتماعية. على سبيل المثال ولتفادي أزمات السير الصباحية، تمّ إستخدام 3 لوحات إلكترونية لإعلام المواطنين بحالة الطرقات.
هذا الأمر الضروري غير كاف، إذ أن العديد من الأشخاص يذهبون صباحاً إلى بيروت لتأدية معاملات إدارية في مؤسسات ووزارة الدولة. لذا إذا تمّ وضع موقع إلكتروني للإدارة الرسمية يُمكن من خلاله تأدية المعاملات الرسمية، فإن حالة السير ستتحسن بشكل ملحوظ خصوصاً أن إدارات الدولة ووزاراتها تفتح من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثانية بعد الظهر وهذا يفرض كثافة هائلة من السيارات في الصباح الباكر.
أيضاً، إذا ما تمّ وصل المنازل والشركات بالآلياف الضوئية، فإن العديد من المهن الحرّة ستتمكن من تنفيذ قسم كبير من الأعمال من المنازل وبالتالي سيُخفف من حدة السير على مداخل العاصمة في ظل نظام مركزي مع وجود معظم الإدارات الرسمية في بيروت.
أيضاً وبواسطة الآلياف الضوئية، يُمكن للشركات أن تربح كثيراً في عوامل الإنتاج خصوصاً الشركات التي تُنتج التكنولوجيا وتلك التي تستخدمها.
إذا كانت فضيحة الإنترنت غير الشرعي الأخيرة ووقف العمل ببعض الآلياف الضوئية قد قلّلت من قدرة الإنترنت في لبنان، فإنه في المقابل يتوجب على الدولة اللبنانية إيجاد البديل لهذه الآلياف خصوصاً أن بعض الشركات وضعت هذا المشروع (غير الشرعي) وقامت بتنفيذه.
فلماذا لا تستطيع الدولة القيام بهذا الأمر مع العلم أن الكابلات تمتّ مصادرتها وبالتالي يُمكن إستخدامها ولا تتطلب أي إستثمارات من قبل الدولة اللبنانية.
إنها بكل بساطة تطبيق لمفهوم كارل ماركس وفرديرك أنغلز عن البنى التحتية والفوقية على أمل أن يتمكن لبنان من الإستفادة من التكنولوجيا لتغيير نظامه الاجتماعي والسياسي والقانوني.