“كونوا كاملين كما ان أباكم السماوي كامل”. لم ترغب بسبب من تواضعك العظيم ان تقول كما اني أنا كامل. كيف يا سيدي يبلغ الإنسان كمال الله؟ أأنت، حسب اللغة، تقول إنه على هذا قادر. أما قلت أنت للبشر كونوا كاملين؟ هل يبلغ الإنسان في هذه الدنيا قامة الله؟ وإلاّ ما معنى الكلام؟
هو قال: أنتم آلهة أي أنكم قادرون على بلوغ الكمال الروحي في حدود جسدكم وكأن المعنى ان لا حدود بين الله والإنسان. ما معنى التشبه بالله إذا لم يكن معناه انه قادر على هذا التشبه؟ “كونوا كاملين” ألا تعني أنكم صيروا بلا خطيئة؟ كيف يكون هذا والكلام إلى ناس ما زالوا في هذه الدنيا؟
كل صلواتنا تدل على اننا دائماً في الخطيئة وان التحرر منها رجاء فقط. والسعي نحن مأمورون به والوصول لم يعدنا الله به في حدود هذه الدنيا. وما جاء في كتابنا ان بعد الموت سعياً ممكناً وما أعطيتَ أنت الإكليل إلاّ وعداً. وإذا كان الله يدين الناس قاطبة فهذا إقرار على ان كل إنسان تحت الخطيئة وان كل إنسان يدان بما في ذلك القديسون. وأنت إذا استشفعت القديسين تعلم انهم ما عدا مريم ينتظرون دينونتهم. وإذا بيننا وبين من أعلنت الكنيسة قداستهم فرق في رتبة القداسة وليس من فرق في الجوهر. القديسون مثلنا ينتظرون الكمال. من هم القديسون؟ لا تقول الكنيسة انهم صاروا شيئاً. تقول إنهم على بعض من المحبوبية وإنهم باتوا بذلك نماذج لك.
جميل ان يعرف الإنسان انه خاطئ إلى الأبد لئلا يستكبر. خاطئ مع التوبة، مع أعظم توبة لا يراه الله جميلاً. الله يرى فقط مسيحه جميلاً.
لما كنت شابا كان دائماً يذهلني ان الكاهن يرى نفسه خاطئاً ولكنه يعرف ان له سلطاناً ان يقول للتائبين إن الرب يقبلهم. أنا خاطئ وتائب معاً وفي الجنازة تعلن الكنيسة ان كل إنسان خاطئ. وإذا هي طوبت قديساً لا تعلن انه تبرأ من الخطيئة. وإذا غفرت لك في الكنيسة خطاياك لا يعني هذا انك صرت من الأبرار. ليس من بار إلاّ ذاك الذي علقوه على خشبة.
القداسة دعوة والقديسون مجرد دعاة. لا يعني تطوبيهم انهم باتوا في البر كاملاً. هذا في الطبيعة غير موجود. أنت تأخذ برك من المصلوب أي إذا صرت مثله. هل يأتي يوم تصبح فيه مصلوباً بالكلية؟ هذا غير ممكن قبل القيامة الأخيرة. نحن مع المسيح فقط على الرجاء وكما يعرفنا هو. في هذا الجسد الدنس لا نصل. نصلي فقط. والرب يقرأنا ولا نقرأ أنفسنا.
فلنحاول ان ندخل إلى أورشليم السماوية لنطهر أنفسنا بالمسيح. أعرف ان التوبة إن باشرناها لا تتم إلاّ على سرير الموت. ما أقبح الإنسان في اشتهائه الخطيئة!
سنحاول اليوم الدخول ليس إلى أورشليم الأرضيّة ولكن إلى ذات المسيح وملكوت قلبه. لعل اهتداءنا الحقيقي في هذا الموسم ان ليس لنا إلاّ ابن مريم في حنانه وأوجاعه وان يرجو كل منا لمسة منه. هي تكفي. بها ندخل إلى السماء. هذه هي أورشليم الحقيقية. وإذا دخلنا يكون لنا فصح أي فصح كل يوم بقيامتنا من موت الخطيئة واشتهائنا البر.
البِرُّ أورشليمُ كل واحد، ليس لنا وطن الا البر. أنا أعرف القدس. زرتها غير مرة لما كانت في أيدي العرب. لم يبق لنا غير القدس العليا في السماء.