Site icon IMLebanon

شكراً كورونا

 

الـ2020 هي السنة الأفضل بيئياً

منذ 21 آذار والشعب اللبناني يتخبّط بالجائحة العالمية “كورونا”، الذي تربّع تدريجياً على عرش عناوين يومياتهم، حتى أنسى اللبنانيين ضائقتهم المادية والإقتصادية والنقدية، بدءاً من مطالب ثورة 17 أكتوبر الإصلاحية كمواجهة الفساد وغيرها، مروراً بالفضائح البيئية من تلوث طاول الماء والتربة والهواء، وليس انتهاءً بالسيول والفيضانات نتيجة الأمطار الغزيرة، والحرائق الطبيعية والمفتعلة التي أكلت “الأخضر واليابس”، حتى بات سهلاً على من يمر في سهول الدامور والشويفات وصيدا وجبيل التي لطالما اشتهرت بأشجارها المثمرة وغطائها الأخضر، أن يلمس كيف التهم الزحف الاسمنتي لغايات البناء والطرقات، سهولاً بقيت منها أسماؤها فقط!

 

يبدو أن سنة الـ2020 ستكون أنظف سنة “بيئياً” في تاريخ البشرية، وها هي الفوائد تظهر لصالح كوكب الأرض الذي التقط أنفاسه قليلاً في الأشهر الماضية منذ ظهور الفيروس، بعد أن سمعنا علماء وخبراء البيئة يهللون لانخفاض نسبة التلوث العالمي بحدود الـ 48%، مطلبٌ قديم ومستعجل لم تستطع حكومات العالم بسياساتها تحقيقه، فأخذ “كورونا” الأمر على عاتقه، حيث انخفض معدل التلوث بانبعاثات الغازات السامة في مختلف القارات، مع توقف حركة الإنتاج الصناعي وحركة التنقل، بعد فرض الحجر المنزلي في الكثير من دول العالم بهدف إحتواء الفيروس؛ وهذا ما أظهرته الصور التي نشرتها “وكالة ناسا” الأسبوع الماضي، وبّينت التراجع الحاد للتلوث والإنخفاض في مستويات النيتروجين في الصين وفي إيطاليا خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

 

“كورونا” وناقوس الخطر البيئي

 

من الواضح أن الناس زادوا من وتيرة نظافتهم في مواجهة “كورونا”، حتى أن المجتمع اللبناني رأى فيه فرصة للتعقيم الشامل، الذي لم يكن ليحدث في ما سبق، نظراً لاكتظاظ الأماكن المستمر بالناس. فالكمامات مثلاً التي يسعى اللبنانيون إلى ارتدائها ليست طارئة، بل كان ارتداؤها من الأساسيات، بسبب التلوث والإنبعاثات الكربونية وما أكثر مصادرها في لبنان، خصوصاً في بيروت والمناطق المحيطة بها، فهي وصلت إلى حدٍ خطيرٍ ومخيف، نتيجة التلوث الصادر عن قطاع النقل (بأسطول يبلغ 1.8 مليون سيارة وآلية في كل لبنان)، ومولدات الكهرباء المنتشرة بين الأحياء، ومعامل إنتاج الكهرباء، ولم يعد خافياً على أحد عدد المرات التي دقّ فيها خبراء البيئة في لبنان ناقوس الخطر، بسبب ظواهر تغير المناخ والإحتباس الحراري والتصحر والتلوث. من هنا على كل منا أن يمسك بزمام الأمور والإلتزام بشعار “خليك بالبيت” وبحالة التعبئة العامة، وإلا فإن الأمور ستتحوّل من سيئ الى أسوأ، تماماً كتجاربنا في “لبنان يحترق”، “لبنان يغرق”، إلى الكثير غيرها…

 

على الأرجح فإن التلوث سيعود إلى سابق عهده، بعد إيجاد الحلول لجائحة الكورونا – ولو بعد حين- ليبقى الأمل معلقاً في التخفيف من نسب التلوث على عدة عوامل، لعل أبرزها الغابات وظاهرة التشجير، والسؤال الذي يطرح ماذا بعد موجة الحرائق المستعرة التي أسفرت عن مقتل ثلاثة مواطنين، وأتت على مساحات آلاف الأمتار من الغابات والأحراج من شمال لبنان إلى جنوبه، وأسفرت عن خسائر مادية فادحة (في 14 أكتوبر الماضي) وامتدت على 3 أيام؟

 

من المعلوم أن معدل حرائق الغابات والأحراج السنوي في لبنان يصل إلى عشرة ملايين متر مربع وقد يرتفع أحياناً إلى 13 مليون م. م.، وفي العام 1965 كانت الأحراج والغابات تغطي 35% من مساحة لبنان بينما تشمل الأراضي الخضراء غير الغابات 10%.

 

ويبدو أن اللبناني – وعلى الرغم من الواقع البيئي الصعب المتمثل ببعض جوانبه بتراجع نسبة الغابات والأحراج الى 13% – لا يعرف الإستسلام، ويعلق مصدر مطلع في وزارة الزراعة في حديث لـ”نداء الوطن”: “لم يبق لدينا سوى 7 في المئة غابات كثيفة و6 في المئة غابات ذات كثافة متوسطة، والوزارة مستمرة في عمليات التشجير والتحريج بالتنسيق مع الجمعيات المتخصصة، وذلك ضمن خطة تحريج وإعادة تحريج تهدف لرفع النسبة إلى 20% على 70000 هكتار من الاراضي العامة، ومن هنا كانت حملة المليون شجرة التي تحققت العام الماضي”.

 

في هذا السياق تبرز مجموعة من مشروعات التشجير من بينها إطلاق مشروع تشجير الارز اللبناني “Cedrus Lebani” برعاية وحضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في 23 تموز الماضي، بمساهمة من المغترب اللبناني الأصل الفريدو حرب حلو، في جرد الديمان، بالقرب من البحيرة الزراعية، حيث زرعت أربعمئة غرسة من أشجار الارز.

 

وبمناسبة عيد الإستقلال الماضي، شارك 300 متطوع من جمعية “جذور لبنان”، في زرع أكثر من 500 شجرة أرز لبناني في كفردبيان، يأتي ذلك ضمن حملتها التوعوية الوطنية للعام 2019 تحت عنوان “زرعنا أكتر من 320 ألف شجرة! ما بكفي”، وقد نجحت وبدعمٍ من شركات لبنانية، ومؤسساتٍ عالمية، ومشاركة العديد من المتطوعين، بزرع أكثر من 30,000 شجرة، أي أكثر من 600,000 متر مربع، في مناطق عدة من لبنان.

 

وفي خطوة تهدف الى مكافحة زيادة التلوث في بيروت، وبعد 3 أسابيع على انطلاق ثورة 17 أكتوبر، قامت مجموعة من الشباب المتطوعين في شركة the Other Data بزرع مجموعة من الأشجار اللبنانية الأصلية على بعض الأرصفة في وسط بيروت، آملين أن تصبح مكتفية ذاتياً في غضون عامين، علماً أن هذه المبادرة ليست الاولى تحت قيادة أديب دادا مؤسس الشركة، ففي وقتٍ سابق من العام الماضي، زرع فريقه 800 شجرة وشجيرة على الضفاف الخرسانية لنهر بيروت الذي يحيط به الكثير من المباني، في خطوة تهدف الى تخصيص مساحات العاصمة العامة بالمساحات الخضراء وبطريقةٍ مستدامة.

 

للنظر في قيمة الأشجار وأهميتها

 

هذه الحملات تسعى إلى استرجاع صورة لبنان الاخضر وتحفيز الشباب على تحمل المسؤولية في الحفاظ على سلامة بيئتهم، وفي هذا يعلق المصدر المطلع: “للأسف، ليست كل مبادرات التشجير ناجحة ومفيدة، لأن الظروف المناخية تشكل عوائق، فكل بذرةٍ وشتلة تحتاج لنوع تربة ومناخ معين ومنطقة معينة، ولبنان يتعرض ولا يزال لفترات جفاف طويلة، وحرارة مرتفعة، ورياح خمسينية، وهذه تشكل عوائق أمام التشجير، وتبقى الميزة الأهم للغابات في القدرة الفعالة للحفاظ على التوازن البيئي ضمن عالمها الخاص”.

 

بدوره يدعو مؤسس ورئيس جمعية الأرض- لبنان بول أبي راشد إلى ضرورة العودة والنظر في قيمة التشجير وتأثيره، مذكراً بمعادلة كلما زادت المساحة الخضراء كلما خف التلوث، إنطلاقاً من وظيفة الاشجار في زيادة نسبة الاوكسجين في الجو، وفي امتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي، سائلاً: “أوَلا تحفز نسب تراجع التلوث عالمياً بسبب الكورونا السياسيين عندنا على وقفة ضمير بيئية بمسببات التلوث؟ هل أدركوا أهمية النظر إلى قيمة الأشجار والغابات ودورها في التخفيف من نسبة التلوث العالي التي يعاني منها المواطن؟ ليستنتج أن ضرب عدد الاشجار المحروقة، وغالبيتها كانت معمّرة، بـ 193 ألف دولار (وفق دراسة البروفسور الهندي ت.م. داس)، يجعلنا نتلمس الخسائر الفادحة على الإقتصاد والبيئة للسنوات المقبلة.

 

لكل فرد في بيروت

 

تُشير التقديرات إلى وجود 0.8 متر مربع من المساحات الخضراء لكل ساكنٍ في العاصمة اللبنانية – وهو أقل بكثير من المساحة الخضراء التي تنصح بها منظمة الصحة العالمية، والتي تصل إلى تسعة أمتارٍ مربعة للفرد الواحد.

 

شجرة الأوكسجين

دراسة أعدها البروفسور في جامعة «كلكوتا» الهندية ت.م. داس حول قيمة الشجرة الواحدة

تقدر خلال 50 سنة بنحو 193 ألف دولار أميركي. فهي تنتج ما قيمته 31.3 ألف دولار من الاوكسجين ونحو 37.5 ألف دولار من تدوير المياه، و62 ألف دولار من التحكم في تلوث الهواء، و31.3 ألف دولار من توفير مأوى للحيوانات، و31.3 ألف دولار من التحكم في تآكل التربة وزيادة خصوبتها، هذا من دون احتساب الثمار والخشب والقيمة الجمالية والنفسية لوجود الاشجار. من هنا فإن عملية حسابية بسيطة مثل ضرب عدد الاشجار المحروقة، وغالبيتها كانت معمرة، بـ 193 ألف دولار، تعطينا جواباً عن فداحة الخسائر على الإقتصاد والبيئة للسنوات المقبلة.