Site icon IMLebanon

وباء «الميغالومانيا» في لبنان

«فؤاد ما تسليه المدام وعمر مثل ما تهب اللئام ودهر ناسه ناس صغار وإن كانت لهم جثث ضخام» (المتنبي)

 

لست أدري لماذا تذكرني أبيات المتنبي بحالة إسمها «الميغالومانيا» أي جنون العظمة. ولا شك أنه بمراجعة نفسية لأجمل أبيات المتنبي نرى أن صفة «الميغالومان» تنطبق عليه بشكل واضح، وحسبما يقال فإن هذه الصفة بالذات هي التي تسببت بمقتله يوم لم يهرب من مجموعة أتت لتقتله عقاباً له على هجاء ساقه في إحدى قصائده. 

تقول الرواية أن مرافقه قال له كيف تهرب وأنت القائل: 

«الخيل والليل والبيداء تعرفني 

والسيف والرمح والقرطاس والقلم» 

قد يتفهم المرء إحساس المتنبي بالعظمة، فالكل يجمع على أنه عبقري الشعر العربي كماً ونوعاً، وقد يغفر لأحمد شوقي وسعيد عقل شطحاتهما لما أنتجاه من جمال شعري ولغوي، كما أنه هناك آلاف من المبدعين في الأدب والعلم والفن والسياسة بدت عليهم علائم «الميغالومانيا»، ولكن إنجازاتهم تغطي عادة على بعض الإنحراف في سلوكهم الإجتماعي. 

المصيبة تقع عندما تضرب «الميغالومانيا» في شخصيات ليست بالضرورة مبدعة ولا خلاقة، وقد تكون وصلت مصادفة إلى ثروة أو موقع، فصارت تصول وتجول كأنها فريدة في الكون. 

في هذه الحالة تصبح «الميغالومانيا» مرضية ليس لشدتها فقط، بل لأن المجتمع سيكتشف بسرعة الفرق الهائل بين حجم ادعاءات الميغالومان وضعة وتفاهة إنجازاته. 

في بلدنا وباء اسمه «الميغالومانيا»، ولو أردت تعداد من يعرفهم الناس لوردت أسماء معظم من يسلط الإعلام عليهم الأضواء. 

عندما تسمعه يعدد انتصاراته وإنجازاته وعلاقاته في الداخل والخارج قد تنسى إنجازات اسكندر المقدوني وعقبة بن نافع وابن رشد ونابوليون وآينشتاين… لتخال أنهم اجتمعوا كلهم في شخصه الكريم، ويزيد عليهم مناقبية وأصلاً وفصلاً وتواضعاً. 

أحد هؤلاء المعروف بالعجيب ظهر يتفاخر بتاريخ عائلته وعراقتها ومن ثم أكد أنه في حين أن «الآخرين يستقوون بطائفتهم» فإن «طائفته تستقوي به!». أما أكثر التصريحات هزلية فكانت قوله أن خريجي جامعة «هارفرد» التي مر بها زائراً أثناء دراسته الجامعية يجتمعون به «للإستفادة من خبرته» والأهم من «حكمته!». 

ما شاء الله، لقد سخف العجيب الصراع إلى تنافس بين العائلات على المدينة، وهو يعلم أن تبعيته لمعسكر نكل بطرابلس هو الإشكال بينه وبين المدينة وليس بين العائلات، والإشكال معه هو بالذات وليس مع حسبه ونسبه، فمن أنسبائه من لم يخونوا أو ينكثوا بالعهد أو يخدموا من نكل بإخوانهم. 

أما عن استقواء طائفته به، فكيف يكون ذلك؟ أبأن يعينه حسن نصر الله في موقعه، أو أن يكون حليفاً لمن يطحن السوريين من طائفته بالبراميل، أم بخدمته مشروعاً مذهبياً معادياً؟ 

أما عن الحكمة فإن أقل الناس حكمة هو من يصف نفسه بالحكيم.