إذا اختار دونالد ترامب الجنرال ديفيد بترايوس لمنصب وزير الخارجية يكون عقد الإدارة الأميركية الأشد عداءً لإيران قد اكتمل! وستكون «روما من فوق» هي ذاتها «روما من تحت»، أي أن ما قاله الرئيس المُنتخب في حملته الرئاسية الطويلة والشاقة سينفذه! أو سيحاول ذلك في كل حال!
تعيين الجنرال جيمس ماتيس وزيراً للدفاع جزء من ذلك السياق الاستنفاري المضاد لإيران الذي بدأ بالخطب الانتخابية من قِبَل ترامب، ثم أخذ مساره العملي مع تعيين مايك بومبيو مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) والجنرال المتقاعد مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي، ثم تكرار الحديث عن احتمال تعيين بترايوس وزيراً للخارجية.
الخيط الرابط الأساسي بين هؤلاء، وهم المعنيون أولاً وأساساً وأكثر من غيرهم (في أي إدارة) بالسياسات الخارجية للولايات المتحدة، هو إشهار موجات من الانتقادات المريرة والحادّة إزاء إيران وأدوارها وسياساتها وصولاً إلى اعتبارها (من قِبَل بومبيو وماتيس خصوصاً) «الراعية الأولى للإرهاب في العالم»، فيما كانت لبترايوس تجربة مضادة على الأرض في العراق وإن كانت تحت لافتة مقاتلة الإرهاب، حيث يعرف العراقيون (والإيرانيون) أنه الأب الشرعي لفكرة «الصحوات» و»فلسفتها»!
قناعته كانت بأن الإرهاب لا يُواجه بإرهاب! وأن «القاعدة» و»أبو مصعب الزرقاوي» في العراق ينشطان في بيئة عربية سنية ويستفيدان من مظالم الممارسات الفئوية التي تلت سقوط نظام صدام حسين، واستهدفت بناء نظام بديل عنه مذهبي الهوى وإيراني الأهواء.. وأن المواجهة (مع الإرهاب) لا تستقيم وتصل من دون مسار يتصل مباشرة بتكوين السلطة ولا يكتفي بأجندة المواجهة المسلحة.. فعمل على إنضاج ظروف قيام العشائر العربية السنية بتشكيل كيانات سمّيت بـ»الصحوات» وهذه تولّت إدارة المعركة ضد الإرهابيين.. ونجحت في ذلك!
أزعج ذلك النجاح الاستثنائي أصحاب القرار المركزي في بغداد المربوط مباشرة بإيران! وبالتحديد تولى نوري المالكي قيادة مسار مضاد تماماً لفكرة «الشراكة الوطنية» التي تُتَمّم بتجفيف تبريرات «الإرهاب» وتؤكد في العموم عبث الربط بينه وبين المكوّن السني العربي العراقي على عكس الأجندة (المذهبية!) الإيرانية والمالكية!
عاش العراق في ظل «إدارة» المالكي أكثر أيامه سواداً وقتامة! وجرى العمل بدأب ومنهجية على تسعير المعطى المذهبي والإصرار على استحضار «ثارات» التاريخ! بهدف إحكام القبضة الأحادية على السلطة ووضعها في كليتها في سلّة الإيرانيين.. كانت إحدى نتائج ذلك المسار، أو بالأحرى بعض موجباته، تظهير «داعش» كبديل أعنف وأكثر توحشاً من «الإرهاب» الذي ضربته «الصحوات»! الأمر الذي يقدّم (وقدّم!) مبررات إضافية (وثمينة!) لتمدد النفوذ الإيراني في البلد العربي الغني والكبير والخطير، ونقل إيران من خانة الدول الراعية والمُنتجة للإرهاب إلى خانة الدول المقاتلة للإرهاب، وتحت رعاية إدارة مستر أوباما تماماً بتاتاً! عدا عن إقفال الحديث عن قصة «الشراكة» في الحكم حتى إشعار آخر.. أي حتى اكتمال عدّة السيطرة التامة والمباشرة على كل مفاصل السلطة (المذهبية والأحادية) وترسيخها مثلما حصل مثلاً مع «قانون» تشريع «الحشد الشعبي» الذي اتخذه «مجلس النواب!» أخيراً!
تعيين بترايوس (إذا تم فعلاً) سيعني الكثير لإيران، كما للوضعَين العراقي والسوري (واللبناني!) باعتبار أن تجربة الجنرال المتقاعد هذا تنطلق من جذر محدد يُصحّح الكثير من الأفكار العشوائية التي أظهرها ترامب في حملته الانتخابية، وراحت باتجاه خطير جداً من خلال ربطه الإرهاب بالإسلام ثم اعتباره أن إرهاب بشار الأسد وحلفائه وداعميه يختلف عن إرهاب «داعش»! أو «يقاتله»!
جذر فلسفة بترايوس يقوم على الفصل بين «الإرهاب» والإسلام (الأكثري تحديداً) كما على الفصل بين «الحرب على الإرهاب» والأجندة المذهبية التي تظهرها إيران!
وحتى لو لم يحضر بترايوس في إدارة ترامب، فإن «أفكاره» حضرت بالفعل من خلال التعيينات التي اشتملت بالأمس على الجنرال ماتيس. وهذه في جملتها تعني أخباراً ليست سارة لإيران، التي لا تزال تؤثر الصمت وعدم التعليق سوى على تمديد العقوبات والتلويح بفرط «الاتفاق النووي»!