في الإنتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في لبنان، واجه بعض طبّاخي اللوائح التوافقية صعوبات جمة في استيعاب التنوّع، ففي إحدى قرى وسط البترون المختلطة، (أرثوذكس وموارنة) على سبيل المثال، فشلت الأكثرية المارونية في إقناع المكوّن الأرثوذكسي، الممثّل بعائلة كبرى، بالإنضمام إلى اللائحة الوحيدة بسبب شروط تعجيزية وضعتها المرجعية الأرثوذكسية في القرية. تشكلت يومها لائحة واحدة من كل الأطياف وهي: “قوات لبنانية”،”كتائب” “تيار وطني”، مستقلّون، ممثليو عائلات. قاطع إخوتنا “الروم” تلك الإنتخابات ترشيحاً واقتراعاً، ولم يكتفوا بذلك، بل شككوا بـ “ميثاقية” الإنتخابات وشرعيتها، فبعثت المرجعية الأرثوذكسية في القرية إلى وزارة الداخلية والبلديات، بكتاب استفاضت فيه بشرح تاريخ الأرثوذكس وتجذرهم في قريتهم، ومطالبةً بإبطال الإنتخابات البلدية التي تتعارض ومقدمة الدستور إذ “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. الدستور أعطانا المناصفة ونريدها في البلدية. ونقطة على السطر.
وبروحية كتاب المرجعية الأرثوذكسية القروية غير العونية، جاءت رسالة وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي إلى مجلس النواب الممهورة بتوقيع الرئيس والمؤرّخة بـ 31 تموز 2019. طلبت الرسالة من المجلس الكريم تفسير المادة 95 من الدستور، “وتحديداً لجهة فئات الموظفين الذين يخضع تعيينهم لمبدأ المناصفة”. وجّه الرئيس رسالته بعد نقاش سياسي حول حفظ حق مرشحين لتولي وظائف من الفئتين الثالثة والرابعة نجحوا ولم يعينوا. كانت نسبة المسلمين الناجحين تقدّر بثلاثة أضعاف عدد المسيحيين، ما حدا بالرئيس “العلماني” الخطاب والتوجّه الى توجيه تلك الرسالة علّ وعسى تشمل المادة 95 من الدستور كل موظفي القطاع العام والأسلاك من كل الفئات. حاجب مسلم. حاجب مسيحي. دركي مسلم. دركي ماروني. يا رب الأكوان دخلك أنصفنا.
ومن باب المناصفة دخل الصهر إلى مسألة تشكيل الحكومة طارحاً معاييره الميثاقية، وكم جميلة مفردة “الميثاقية” الطالعة من فم الصهر الوسيم.
والمناصفة وفق المعايير العونية، تعني أن يمنح الرئيس الماروني وكتلته العابرة للطوائف المقاعد المسيحية كلها، باستثناء ما يحق لكتلتي المردة أو القومي، حسابياً. أما المستقلّون المسيحيّون فلا حساب لهم في المناصفة. هذا مع العلم أن كتلة الرئيس امتنعت عن تسمية الحريري في الإستشارات والرئيس نفسه، حث النواب عشية الإستشارات الملزمة على تحكيم ضمائرهم، والقصد كل القصد، تسمية أي شخص عدا الشيخ سعد لرئاسة الحكومة.
والمناصفة وفق المعايير العونية، تجعل من رئيس مجلس الوزراء، رئيساً للوزراء السنة فقط!
والمناصفة وفق المعايير العونية، تستنفر العصبيات المذهبية وترفع المتاريس وترسم خطوط تماس وتدرج أعرافاً شاذة.
هذا وقد يطلع مع مشرّع عوني وجوب تطبيق المناصفة والمداورة على مستوى رؤساء البلديات، في انتخابات الـ 2022، بمعزل عن الأغلبيات الطائفية في كل مدينة وقرية، فتخيلوا انتخاب رئيس بلدية ماروني في النبطية الفوقا ورئيس بلدية شيعي في برج حمود تطبيقاً للمناصفة!