لعبة المناصفة ليست معضلة بيروتية بل مشكلة لبنانية.
حسناً فعل ويفعل الرئيس سعد الحريري، عندما يدور في أرجاء العاصمة، داعياً الى المناصفة في الانتخابات البلدية.
لكن الدور الأهم صدر من طرابلس، عندما دعا أركان العاصمة الثانية، الى المشاركة، في اختيار رئيس المجلس البلدي، لا في الاتفاق على المناصفة فقط.
وهذا الأمر ينعكس جلياً على تركيبة المجلس البلدي وخياراته السياسية والاجتماعية في العاصمة الأولى وفي العاصمة الثانية.
وبسبب هذين الأمرين، وقع الخلل في بلدية بيروت، وحدث الانقسام في بلدية طرابلس، وجرى تغيير الرئيس قبل انقضاء الفترة الأخيرة من ولايته، وجرى الاتفاق على رئيس جديد للمجلس البلدي.
وامتدّ الخلل الى رئاسة بلدية الميناء، وجرت استقالة الرئيس السفير من وظيفته، وانهارت صيغة المجلس البلدي.
في مجلس بلدية بيروت، كان رئيس المجلس البلدي، يستأثر بوضع منهج الجلسات، ويتصرّف مع نائب رئيس المجلس، على هواه.
وتكرّرت مع معظم الرؤساء، حكاية الخلاف بين محافظ مدينة بيروت الممتازة، صلاحيات وحقوقاً، وبين رئيس المجلس البلدي وحدود صلاحياته، الى أن حسم الموضوع، في عصر الرئيس صائب سلام مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، انطلاقاً من ان المحافظ يتمتّع بصلاحيات تتجاوز صلاحيات سواه من رؤساء البلديات، لأنها صلاحيات ميثاقية.
ويقال ان المشكلة تجددت الآن، وحسمت أخيراً، من خلال صفقة رافقت الموافقة على اختيار الرئيس المقبل للمجلس البلدي.
ولعل جمال عيتاني يدرك الحقيقة الغامضة سلفاً، لئلا تنفجر عند اول اجتماع للمجلس البلدي الجديد.
ومن هنا كانت المبادرة الى ان المشكلة لا تكمن في حل عقدة المناصفة بل بمعالجة مشكلة المشاركة في القرار البلدي!
وهذا يعني ان العمل البلدي يتطلب بادئ ذي بدء، الاتفاق على حل الأمور المعقدة بالتفاهم، لأن القرار في المجلس البلدي لا يقوم على ما يريده رئيس المجلس، بل بتحقيق المشاركة الجماعية في القرارات، بعيداً من الاستئثار والهيمنة على معظم نهج الافرقاء.
وهذه الأزمة تنسحب ايضا على معظم هيئات المجالس والمؤسسات.
وهذا ما يؤخر مدة عامين حتى الآن، انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولعل الحرص على الاتيان برئيس قوي، مرده المعارضة الشديدة لانتخاب اي رئيس ضعيف يتم اختياره على قاعدة موظف لا قائد.
من هنا التشديد على اختيار رئيس لا موظف، وقائد لا مجرد رئيس موقع، لأن ليس المطلوب تعديل الدستور، بل المحافظة عليه، وعلى سلامة القانون الذي يجري تطبيقه بسلامة لا كيف ما كان!