لم تسرق زيارة رئيس الحكومة للسعودية، ولا جولات الموفد البابوي على القيادات، المخاوف من ما قد تؤول اليه الاوضاع على الجبهة العرسالية، مع تعزيز الجيش انتشاره على التلال الإستراتيجية وأعطاء التعليمات للوحدات المنتشرة بأن الجيش مسؤول عن حماية هذه الحدود، التي تحتل صدارة جدول اعمال مجلس الوزراء، التي ينتظر ان يقاسمها الاهتمام ملف التعيينات الامنية، في جلسة تخضع لامتحان متقدم لمتانة التوافق السياسي الذي ظلل الحكومة منذ تشكيلها، مع حسم جميع الاطراف لتوجهاتها، على عقارب عرسال والتعينيات.
فعملية تدوير الزوايا في مجلس الوزراء التي رافقها تأكيد الرئيس بري على التمسك بالحكومة وطرح النائب جنبلاط سلة تعيينات وتسوية رئاسية جاءت في وقت أعربت أوساط ديبلوماسية غربية عن اعتقادها بأن الإستقرار الأمني في لبنان سيبقى ثابتا بدليل إنشاء السفارة الأميركية مقرا جديدا لها بلغت تكلفته مليار دولار، آملة أن يبقى الوضع الحكومي متماسكا وأن يتم التوافق على التعيينات الأمنية إقرارا أو تأجيلا وأن يأتي الصيف بموسم سياحي جيد، مع تأكيد مصادر سياسية وجود مشروع حلّ تجري مناقشته بين جهات لبنانية والقيادة السورية، يقضي بالسماح بفتح ممر للمسلحين والنازحين المتواجدين في مخيمات عرسال بالعودة الى القصير وريف حمص،رغم التشدد الدمشقي ازاء هذا الحل انطلاقا من تصنيف النظام لهؤلاء على المعارضة التي لن يسمح بعودتها الى القرى المحررة، خصوصاً انّ مسلّحي القلمون الشمالي هم من أبناء العائلات التي تقطن المخيمات في عرسال ومحيطها، وانّ نقلهم كمدنيين سيسمح لهم بالعودة الى حمل السلاح.
غير ان هذه التطورات لم تمنع مصادر في 14 آذار من التوقف باهتمام عند نقطتين اساسيتين تحكمان الحراك السياسي حاليا:
– استباق حزب الله مناقشات مجلس الوزراء بمباشرته استنساخ تجربة «الحشد الشعبي» في العراق من خلال اعلان عشائر وعائلات بعلبكية قيام «لواء القلعة»، وتوقعت المصادر طرح هذه المسألة في الجلسة المقبلة من زاوية كونها خرقا فاضحا للسلم الاهلي الذي قرره اتفاق الطائف وثغرة اضافية في جدار الوحدة الوطنية والاسلامية، معتبرة أنّ هذا اللواء، الذي يمثل امتدادا للحالة الأمنية الإيرانية في المنطقة بحسب المصادر نفسها، اما هو ورقة في يد الحزب لمزيد من الضغط على الجيش اللبناني من أجل توريطه في المعارك إلى جانب النظام السوري، أو أنه سعي لتشكيل – حشد شعبي شيعي – بغطاء من الدولة، واضعة هذا التطور في إطار الضجّة الإعلامية، رغم اشارتها في المقابل إلى أن الفرز المذهبي المنتشر أينما كان، قد يؤدي الى قيام حركات مشابهة سنية ودرزية ومسيحية.
– انهاء التيار الوطني الحر استعداداته لتحركاته الشعبية المتصاعدة، وذلك في إطار اقتراع شعبي تحت عنوان «الحقوق المسيحية» كرد فوري على قرار التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء إبرهيم بصبوص، مع تمسك العماد عون بوحدة بتّ ملف التعيينات الامنية كسلة واحدة، بدعم واضح من قوى الثامن من آذار التي اشارت مصادرها الى ان المعادلة اليوم «إما روكز وإما الحكومة»، كاشفة عن توجه لديها باعتبار الحكومة الحالية لزوم ما لا يلزم مع تحولها الى أداة لتغطية الفشل المتراكم في ادارة الملفات الحساسة والملحة، وفي ظل ما يتسبب فيه وجودها من تعبئة مذهبية وتوسيع للشروخات الداخلية الطائفية.
وفي هذا الاطار، وصفت مصادر وزارية متابعة لقوى 14 آذار امتناع وزراء التغيير والاصلاح وحزب الله عن الموافقة على البيان الذي كان سيصدر عن مجلس الوزراء حول تجديد الثقة وتكليف الجيش اللبناني باتخاذ ما يلزم من خطوات أو قرارات في ما خص الوضع في عرسال وجرودها، بأنه أكثر من ربط نزاع واقل من تفجير أزمة، لحسابات متعلقة بزيارة الوفد الحكومي الى السعودية وبالتالي عدم رغبة العماد عون ان يفوت فرصة مشاركة ممثله في الحكومة في المحادثات التي ستشهدها الرياض، لا سيما وانه مكلف باجراء الاتصالات مع الرئيس سعد الحريري الذي يحرص الجنرال وعلى حدّ قول المصادر نفسها، على تحييده عن الحرب الاعلامية المشنة على قيادات المستقبل بالتضامن والتكافل مع حزب الله، خاصة ان في ظل المعادلة الذهبية التي اتفقت عليها الرابية – حارة حريك، والقاضية بمضي الحزب مع التيار في تعطيله العمل داخل الحكومة وعدم الاستقالة منها، في مقابل الحملة الداعمة من التيار للحزب في مضيه بمعارك عرسال، وهو اتفاق بدت خطوطه واضحة في خطب مسؤولي التيار، وآخرهم وزير الخارجية خلال زيارته البعلبكية.
اللافت، انه بين هذيْن الحدّيْن، جاء كلام بارز ومتمايز لرئيس البرلمان نبيه بري، اعتُبر بمثابة ضابط لايقاع التصعيد بوجه الحكومة.