لا تختلف المعادلة التي وضعها رئيس كتلة «حزب الله» النيابية محمد رعد أمام المتحاورين ومن خلفهم معظم اللبنانيين، من أجل «حل» قصة الفراغ في رئاسة الجمهورية، عن تلك التي اعتمدها نظام آل الأسد في سوريا، وترجمها ويترجمها على مدار الساعة تدميراً نيرونياً عزّ نظيره وغلا!
وقولة رعد التي توعّد فيها بخراب لبنان ما لم يعُد المعترضون على «تعيين» النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية عن اعتراضهم، هي في الحقيقة ترجمة فظّة ولا تعوزها الغلاظة والجلافة وثقل الدم، للسياسة المركزية التي يعتمدها حزبه إزاء الفراغ الرئاسي والقائمة جهاراً على نسف دستور الجمهورية وإلغاء بنوده الخاصة بـ«انتخاب» رئيس البلاد، كما نسف السيبة التي يقوم عليها مجمل الكيان اللبناني والتي تقول في جوهرها وقشرتها وفي متنها وفروعها أن صيغة العيش المشترك محكومة بميثاق وطني دقيق وحسّاس أساسه التوافق المضاد لفرضيات القهر والاستبداد وثقافة الحزب الواحد..
النائب رعد «طوّر» على طريقته سياسة حزبه، ونقلها من حيّز التعطيل، الذي يشترك في استخدامه مع خصومه في كل حال، إلى حيّز التهديد الذي كان ولا يزال منتجاً حصرياً له! معيداً الاعتبار للرأي القائل باستحالة الثقة به وبسلاحه لأنه تحديداً لا يتردد في اللحظة التي يراها مناسبة، عن خلع ثوبه «المدني» الذي تفرضه مشاركته في المؤسسات الشرعية، ولبس ثوبه العسكري بديلاً منه.
والذي يعنيه كلام النائب رعد هو تماماً ما دفع ويدفع خصومه إلى إشهار خصومتهم له! وإلى إبداء كل ذلك التوجّس من مراميه التي لا تعني بداهة، إلاّ تهديد ما توافق عليه اللبنانيون بعد حربهم المريرة، وتهديد نظامهم الذي فطروا عليه قبل أن يقوننوه، والذي يعكس واقع حالهم التعددي، مذهبياً وطائفياً.
والحاصل منذ توقيع «ورقة التفاهم» مع النائب ميشال عون، ومنذ بدء الفراغ الرئاسي، هو أن «حزب الله» يسلك خطاً مزدوجاً يؤدي إلى نتيجة واحدة: ينخرط في تحالف أقلوي جزئي مع مكوّن مسيحي لبناني مستفيداً من حالة عصابية خاصة بشبق ترؤس الجمهورية من جهة، ويستند إلى سلاحه (أو وهج ذلك السلاح!) في عمله السياسي المحلي من جهة ثانية، ما أوصله في المحصّلة إلى مرتبة «الحزب القائد» الذي يقرر ما يرتئيه وينفّذه بغض النظر عن طبيعة النظام اللبناني ودستوره ورأي المكوّنات الأخرى في ذلك.
هذا المعطى أنتج مفارقة تقول أنه في الوقت الذي بُني الحراك الزلزالي العربي الأخير من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى سوريا، على فرضية السعي إلى التخلص من الاستبداد والحكم الفردي والتشبه بالحالة اللبنانية (ولو شكلاً) والقائمة على ممارسة ديموقراطية فيها أولوية لصندوق الاقتراع باعتباره موصلاً إلى تداول السلطة.. فإن «حزب الله» يسعى إلى العكس تماماً: جعل النظام اللبناني شبيهاً بتلك الأنظمة المريضة والآفلة في المحيط العربي!
.. وعلى وقع سمفونية «الأسد أو نحرق البلد»، يقدّم النائب رعد أحدث تغريداته وأكثرها فصاحة: ميشال عون أو نخرب البلد! وذلك، في كل حال، لا يستدعي من «الأغيار» إلاّ توجيه برقية شكر سريعة إلى صاحب تلك التغريدة، لأنه «حسم النقاش»! وقدّم خدمة جليلة لكل من رأى ويرى أن الفراغ أفضل بمئة مليون مليون مرة من تعبئته برئيس، يُنهي الجمهورية ولا يحييها!