Site icon IMLebanon

«معادلات» روسية «تربك» الرياض.. وتفرض «السترة» في بيروت

لا يبدو حزب الله معنيا في المرحلة الراهنة بالاستفاضة في تقديم شروحات تفصيلية عن طبيعة التنسيق الميداني مع الجيش السوري والقوات الايرانية والروسية، «فألف باء» العلوم العسكرية تفيد بأن اي عمل عسكري مشترك يعني حكما وجود غرفة عمليات موحدة تدير المواجهات الميدانية، وبما ان مقاتلي الحزب ومعهم المستشارون الايرانيون سبقوا اقرانهم الروس الى الميدان السوري بسنوات، يمكن استنتاج حجم الدور الرئيسي والمحوري الذي يلعبه ضباط الارتباط الذين تم فرزهم لقيادة العمليات الامنية والعسكرية هناك.

هذا التنسيق لا يحتاج المزيد من الكلام في السياسة في هذه المرحلة، «الشمس طالعة» والناس ..» وهذا اكثر من كاف الان قبل تحقيق الانجازات الميدانية الكبرى على الساحة السورية، تقول اوساط قيادية بارزة في 8آذار، التقويم للعمليات العسكرية قبل ايام يفيد ان ما تحقق يطابق الخطط المرسومة ،هذا ما يفسر ارتياح قيادة الحزب لمسار التطورات، عكس ذلك الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في مواقفه العلنية وفي»الجلسات المغلقة»، وهذا ما يفسر ايضا حالة «الارباك» لدى تيار المستقبل الذي عاد «صاغرا» الى الحوار بعناوينه المتعددة بعد ان دفع وزير الداخلية نهاد المشنوق من رصيده الشخصي ثمن تهوره وسوء تقديره السياسي. اما السعودية فلم تمانع العودة الى الحوار بل ابدت «حماسة» لها على الرغم من رفع حزب الله «دوز» المواجهة معها الى مرحلة غير مسبوقة..لكن ما العمل لا خيارات.. الوضع «صعب»…

لكن لماذا هذا التقويم المتشائم في المملكة؟ الجواب ببساطة شديدة، وبحسب مصدر دبلوماسي في بيروت،» ابحثوا عن بوتين»، فالرسائل الروسية القاسية «والفجة»، والثقل العسكري الروسي في سوريا، وضع المملكة امام اختبار قاس لم تواجهه من قبل، فما لم يقله الروس الى السعوديين «تفصيلا»، تم ابلاغهم به عبر الاميركيين، وبلغ الامر مسامع الفرنسيين الذي جال وفد منهم في بيروت قبل ايام، ووزع معلومات دقيقة حول فحوى كلام روسي تجاوز كل التوقعات، فوزير الدفاع الروسي ابلغ نظيره الاميركي صراحة بان موسكو لن تتهاون مع اي قرار بتزويد المعارضة السورية باي صواريخ ارض-جو، وستتخذ اجراءات «قاسية» جدا ازاء اي دولة اقليمية تتورط في هذا الامر، وللدلالة على جدية الموقف، لم يكتف الجانب الروسي بترك خياراته غامضة، واوضح ان دخول هذه الاسلحة النوعية الى الميدان السوري سيعني في المقابل دخول اسلحة مشابهة الى الساحة اليمنية، وكذلك ستعمد موسكو الى تزويد المقاتلين الاكراد على مختلف مشاربهم باسلحة متطورة تشل حركة الطيران التركي. «ونقطة على السطر». وباتت المعادلة على الشكل التالي «اسلحة نوعية في سوريا تعني اسلحة نوعية في اليمن وتركيا». الرئيس فلاديمير بوتين كان اختص المشهد امام ولي ولي العهد محمد بن سلمان، قائلا «لا احد يختبر جديتنا» في سوريا، الاخير لم يفهم الترجمة الحقيقية لهذا الكلام الا بعد ابلاغه رسميا من قبل الاميركيين بفحوى «الرسالة الروسية».

طبعا ثمة ما هو اخطر من ذلك ميدانيا، حتى الان لا يجد الروس أنفسهم في «مستنقع» فموسكو نجحت حتى الان في خلق ثلاث حقائق بحسب المصدر الديبلوماس، واحدة منها وقف اندفاعة المسلحين، تأمين النظام السوري وعلى رأسه الرئيس بشار الاسد، الحقيقة الثانية، تخريب فكرة إنشاء مناطق آمنة ومنطقة حظر جوي، أما الحقيقة الثالثة والمهمة فهي أن الروس نجحوا بضرب الجماعات التي يتلقى بعضها دعما من الولايات المتحدة والسعودية، وكانت تضغط بقوة على العاصمة دمشق. الروس «ضربوا» في المكان الموجع صوت الاميركيين «الحانقين» وطالبوا قبل ايام روسيا بوقف «تدمير» البنى التحتية «للجيش الحر» قبل الحديث عن فتح قنوات للحوار معه. اليوم وضعت موسكو الاميركيين امام معادلة جديدة مفادها انه من أجل وقف الهجمات ضد جماعات المعارضة، على أميركا إقناع الأخيرة بوقف الهجمات ضد النظام، واعلان الاستعداد لعقد اتفاقيات هدنة، شبيهة بما حصل سابقا في اكثر من منطقة، بانتظار تبلور حل سياسي لا يبدو قريبا. وما ازعج السعوديين والاتراك ان الاميركيين باتوا اكثر ميلا نحو التعاطي مع هذه الافكار بجدية، ويرون انه من المناسب استكشاف فكرة طرح وقف إطلاق النار بين «الجيش الحر» والقوات النظامية، وهذا يفتح المجال أمام تعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في قتال «تنظيم داعش» وفتح الطريق أمام تسوية سياسية لاحقا. وهذا ما ترى به المملكة وتركيا استسلاما مبكرا وتخلي عن «ادوات» الصراع في معركة ما تزال في بدايتها….

في المقابل لا يخفي العسكريون الروس ارتياحهم إلى ما أُنجِز حتى الآن، تدمير معاقل «الإرهاب» يحصل وفق ما هو مخطط، وفي الوقت نفسه اصبحت سوريا ميدان تجارب للأسلحة الروسية الحديثة، والعالم بدأ يتعرف على الارض على ما كان يراه فقط خلال عروض ضخمة تنظّم في الساحة الحمراء كل سنة، وما اختبرته روسيا في سوريا عسكرياً، حقق نجاحا «باهرا»، وبدا استعراض صواريخ «كاليبر» التي أُطلِقت من بحر قزوين اكثر «المفاجآت» دويا لدى حلف «الناتو»، وأهمية الحدث تكمن في أنها المرة الأولى التي تُجرَّب فيها تلك الصواريخ ميدانياً، كما ان النسخ التي قدمتها روسيا سابقاً في المعارض والندوات المتخصصة، كان مداها 300 كيلومتر، بينما فاجأت موسكو الغرب بقدرتها على ضرب أهداف على بعد 1500 كيلومتر. وهي أيضاً المرة الأولى التي تختبر فيها موسكو ميدانياً منظومة «غلوناس» الفضائية للتحكُّم والتوجيه، وتباهى الناطقون العسكريون بنتائج «ممتازة» على هذا الصعيد، واستعرضت روسيا إمكانات قذائفها الموجّهة في سوريا، وبرزت منها قذيفة «كا ا بي 500» القادرة على اختراق تحصينات تحت الأرض وتدميرها. ودخلت »الخدمة الميدانية« في سورياة طائرات تجسس بلا طيار، وهي مزودة تقنيات رادار مطوّرة تحدِّد الأهداف وترسل إشارات إلكترونية لتعديل مسار الضربات تلقائياً، وبين التقنيات الأخرى الحديثة، راجمة قذائف أُطلِق عليها «الشمس الحارقة»، حصل عليها الجيش السوري وبدا استخدامها في ريف اللاذقية وسهل الغاب…انها غيض من فيض اسلحة تدلل على ان روسيا لم تدخل المعركة لتخسرها..

هذه المعطيات تضع السعودية في موقف حرج للغاية بعد تبدد «احلام اليقظة» يؤكد المصدر الديبلوماسي، فالقادة السعوديون كانوا يطمحون لمنافسة ايران على دور شرطي المنطقة وتقويض نتائج الاتفاق النووي، وخططوا ليكونوا القوة العسكرية الأكبر عبر رصد 150 مليار دولار للتسليح خلال السنوات الخمس المقبلة، والسعودية تطمح ايضا لأخذ دور مصر الريادي على الصعيدين السياسي والعسكري، ولنجاح المهمة وضعت العائلة الحاكمة أولويتين: ازاحة بشار الاسد عن السلطة في سوريا باعتباره أقوى حليف لإيران في المنطقة، واقامة نظام سني حليف لكسر العمق الاستراتيجي الذي يعول عليه الايرانيون، وكذلك أضعاف الحوثيين في اليمن، لكن السعودية التي تقدم لاول مرة المال والرجال لمحاربة التهديد الإيراني، في موقف صعب، موسكو اجهضت بالتعاون مع طهران وحزب الله مشروعها في سوريا، تحول اليمن الى «مستنقع»، وفقدت حلفاءها الأمريكيين والأوروبيين الذين باتوا يتحدثون علنا وبصوت عال عن حقوق الإنسان المنتهكة في المملكة وعن الوهابية التي كانت سببا مباشرا في ظهور التيارات الإسلامية المتطرفة، وهي تعلم ان مواجهة الجدية الروسية في المنطقة ستكون مكلفة، لا تملك اي استراتيجية واضحة، ولاتريد ايضا جبهات جديدة، المطلوب «السترة» في بيروت لتقليل خسائر «العاصفة» القادمة من الحدود الشرقية.