IMLebanon

إنصافاً للتاريخ.. لا دفاعاً عن السنيورة

يُبدع «حزب الله» في اختلاق الحجج وممارسة سياسة الكيد والكيل بمكيالين في كل مرّة يرتد اليه لهيب نيران كان أشعلها بنفسه. يسارع الحزب الى تجنيد طاقاته الاعلامية وطاقات حلفائه المُسبقة الدفع لرفع الاتهامات عنه، والتي تلبسه من أذنيه حتّى اخمص قدميه، وآخرها ما صرّح به رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة أمام المحكمة الدولية نقلاً عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري «لقد تم اكتشاف محاولات عدة لاغتيالي من قبل حزب الله». 

منذ عشرة اعوام و«حزب الله» لا يكترث لكل الاتهامات التي تطال مجموعة من عناصره متهمة بإغتيال الحريري، وأكثر من ذلك فقد لجأ الحزب طوال هذه الفترة إلى إصدار تكليف شرعي خاص بساسييه ومؤسساته الاعلامية الخاصة يقضي بعدم التطرق الى أي موضوع يتعلّق بالمحكمة الدولية وعملها ولا حتى بالرد على اي بيان يصدر عنها ولا عن شهودها موكلاً أمر التشويش لجماعاته من خلال بيانات ودراسات وروايات ملفّقة يُعدها مطبخه الامني المُطرّز من الخارج بألوان سياسيّة.

ما هي مشكلة «حزب الله» مع كلام السنيورة الاخير؟. قد يبدو للبعض أن الحزب لجأ الى الهجوم المُركّز على تصريح السنيورة بواسطة حلفائه والاعلام التابع له للقول فقط إن الكلام لا اساس له من الصحّة، وأن ليس هناك من يؤكد الخبر من أساسه خصوصاً وان الرئيس الحريري لم يعد موجوداً بيننا اليوم. لكن الحقيقة منافية ومجافية تماماً لما يحاول الحزب أن يوهم به الرأي العام الداخلي والخارجي، فمشكلة «حزب الله» الأساسية هي أنّ هذا الكلام قد صدر عن أقرب شخصيّة للشهيد. شخصيّة عايشته في أجمل اللحظات وأصعبها وفي حلو الحياة ومرّها وبالتالي لا يمكن إلاّ ان تكون محل ثقة من عائلة الشهيد نفسها ومن الأصدقاء المقرّبين وأن الرئيس السنيورة لا يمكن أن يُفصح عن معلومة كهذه لو لم تكن هناك أدلّة مُدعّمة وموثّقة وهذا مرهون بالأيام المقبلة وما يمكن ان تحمله من مفاجآت.

نعم مشكلة الحزب مع السنيورة نفسه وليس في ما ورد على لسانه، فالأحقاد قديمة تعود إلى زمن الصمود في وجه التهديدات والتحصّن بمؤسسات الدولة على رأسها مجلس الوزراء يوم كان السلاح غير الشرعي يتهدد حياة الرجل ويوم كانت توضع الخطط تلو الخطط لاقتحام السرايا. نعم صمد السنيورة وصمدت حكومته حتى ما بعد أحداث السابع من ايار العام 2008 وما تخلّلها من قتل للناس على الطرق وتدمير ممنهج لمؤسسات الدولة.

من يذكر يوم غصّ فؤاد السنيورة وهو يبكي لبنان وشهداءه يوم استكثر البعض حتّى سقوط دمعات القهر من عيون الناس المفجوعة ومنعها من التعبير عن آلامها، يعرف تماماً ان الوطن بالنسبة اليه ليس مجرّد قاعدة ولا موطئ قدم للغير، بل هو إنتماء وعقيدة وإيمان لا تبدّلها معتقدات طارئة ولا امبراطوريات مزعومة. من يذكر يوم وصف رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي حكومة السنيورة بالمقاومة، يُدرك جيّداً أن للمواقف أهميّة تعادل البندقيّة وربما تتفوّق عليها وتكشف زيفها فيما لو قرّرت التموضع في غير مكانها الصحيح.

اليوم تعمل «الممانعة» واعلامها على تنشيط ذاكرتها من خلال استرجاع بعض من تاريخها المليء بالإنتاكاسات، فتضع نصب أعينها هدفا وحيدا، استهداف رجل وطني عاصر كبيراً اسمه رفيق الحريري لتوجّه اليه سهاماً مثلّثة الرأس متهمة اياه بعبارات لا تليق بتاريخ مقاومة أذاقت ذات يوم العدو الإسرائيلي سموم سهامها قبل أن ترتد يد بعض المتلطّين تحت جناحها لتطال هامة لبنانية كبيرة مرّت على هذا الوطن كنسمة ربيع مجبولة بعطر زهر الليمون سيظل اسمها محفورا في وجدان كل شريف وضمير كل إنسان حيّ.

الرئيس فؤاد السنيورة ليس قدّيساً ولا هو حائز على مرتبة تفوق حجم وطنه وهو لم يُقدّم نفسه يوماً على هذا النحو. ولكن في وطن مثل لبنان تملؤه العصبيّات والانقسامات لا يُمكن لعاقل أن يتقبّل على الإطلاق بأن يطلّ أحدهم ويدافع عن مجموعة متهمة باغتيال زعيم وطني ويصل به الإستفزاز إلى حد وصفهم بـ«القديسين».