على عكس جولات سابقة من «التطاحن» مع قوى سياسية تنفيذاً لمشروع «إستعادة حقوق المسيحيين» في المؤسسات والإدارات، يخوض «التيار الوطني الحر» معركة مكتومة الصوت، بعيداً من أسلوب «إستفزاز» الخصم، داخل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لاستعادة جزءٍ من المراكز الأمنية «تأميناً للتوازن الطائفي والميثاقية»، كما يقول.
على رغم تداول أكثر من رقم يحدّد نسبة وجود الضباط المسيحيين داخل قوى الامن الداخلي، إلّا أنّ الوزير جبران باسيل يجزم في مجالسه الخاصة بأنّ «رقم الـ32%، مبالغ فيه، والرقم الأدق هو 36%».
في مطلق الحالات، وبغض النظر عن نسبة الرقم، ثمّة أمران أساسيان: يخوض باسيل هذه المعركة من دون جلبة سياسية بعكس كثير من معاركه في هذا المجال، كما أنّ هناك إقراراً عند الجميع تقريباً بوجود تفاوت في توزيع المراكز بين الضباط المسيحيين والمسلمين، لكنّ مقاربة هذا الواقع لا تزال تخضع لنقاش هادئ أبدى خلاله الرئيس المكلّف سعد الحريري مرونة لافتة، من دون التوصّل حتى الآن الى تثبيت خريطة شاملة لإعادة توزيع المراكز بين ضباط قوى الأمن.
مع ذلك يبشّر «العونيون» منذ الآن بـ«إنجازٍ غير مسبوق يُصلِحُ عطباً طائفياً مُزمناً في المؤسسة»، ويبدو أنهم يستعجلون إعلان إنتصار لا تزال تعترضه العديد من العقبات خصوصاً حين تحلّ ساعة الجدّ، حيث إنّ بعض المراكز قد يبقى «عاصياً» على التفاوض من منطلق تمسّك أولياء الطائفة به!
وتفيد معلومات، أنّ أبرز المراكز التي يسعى الفريق المسيحي داخل مجلس القيادة إستعادتها هي: «الشعبة الإدارية» في مديرية قوى الامن، قائد سرّية سير بيروت، قائد سرّية المطار، قائد سرّية السجون… ولا يبدو واضحاً منذ الآن، إذا المناصفة تعني أيضاً إحتمال تخلي الفريق المسيحي المفاوض، إستناداً الى مبدأ التبادل، عن بعض المواقع الأمنية «النوعية» التي يشغلها ضباطٌ مسيحيون!
وبالتأكيد فإنّ شبه المصالحة التي جرت في مكتب المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان في 16 تشرين الثاني الفائت بينه وبين النائب أسعد درغام ساهمت في سلوك الملف «خطاً عسكرياً» نحو التفاوض «على الرايق» خصوصاً أنّ درغام كان قد فتح مواجهة مباشرة مع عثمان متّهماً إياه بمخالفة القانون وإطاحة مجلس القيادة وتثبيت واقع الاستئثار»، مع العلم أنّ أوساط المديرية تؤكد أنّ عثمان لم يُنشئ أعرافاً جديدة في المؤسسة بل هو واقع قائم بذاته ومتجذّر، والتشكيلات، أو «أمر النقل العام» لا مفرّ منه لكن لا يمكن أن يتمّ تحت الضغط، والدليل أنّ هذه التشكيلات تُطبخ اليوم على نار هادئة وهي حاجة ملحّة للمؤسسة أصلاً كونها متوقفة منذ العام 2004».
في إجتماع مجلس القيادة الأخير، والذي كان أعضاء في مجلس القيادة قد هدّدوا بأنه لن يعقد إلّا لبتّ بند واحد هو التشكيلات الأمنية في المديرية، تمّ الاتفاق على جدول ترقيات الضباط الذين تستحق ترقيتهم في 1-1-2019 و1-7-2019، وهو الأمر الذي يتمّ في كل الأجهزة الأمنية نهاية كل سنة، كذلك تمّ الاتفاق على تسريح 90 عسكرياً من رتبة معاون أول وما فوق.
هنا برزت مخاوف العسكر من إمكانية جنوح الوضع المالي نحو مزيد من السوء وإنخفاض سعر صرف الليرة، فبعدما كان قرار التسريح معلّقاً في إنتظار دورة التطويع الجديدة تمّ بتّ الملف تحت ضغط طلب هؤلاء تسريحهم خوفاً من تدنّي قيمة تعويضاتهم لاحقاً!
هكذا، تُطبخ تشكيلاتُ قوى الامن المعلّقة منذ آخر أمر نقل عام في 2004، والمستعاض عنها بقرارات فصل موقت للضباط، في الأروقة السياسة، لكن للمرّة الأولى من خلال تطبيق مبدأ المناصفة في الشُعَب والسرايا والفصائل والمفارز…
المفاوضات حول إستعادة مراكز لمصلحة المسيحيين في المديرية يقودها درغام نيابةً عن رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل ويعاونه مسؤول المراجعات مع قوى الامن الداخلي و«أمن الدولة» في «التيار الوطني الحر» جوزف صليبا، وقد دخل قائد الدرك العميد مروان سليلاتي، المحسوب على عون، على خط هذا الملف بعيد تعيينه.
يقول درغام لـ«الجمهورية»: «لقد إتفقنا على مبدأ المناصفة الكاملة في قوى الأمن الداخلي. إلتقيتُ الرئيس الحريري الذي أبدى إيجابية وتفهّماً، كذلك حصلت لقاءاتٌ مع رئيس الجمهورية وباسيل، وتوصّلنا الى تسوية ترضي الجميع فيما تبقى تفاصيل صغيرة وبعض التوزيعات للمراكز التي يجرى العمل عليها والتي لا تعوق الاتفاق الاساسي»، مؤكداً «أننا كفريق سياسي في التيار الوطني الحر سجّلنا إنجازاً بتثبيت المناصفة للمرة الاولى من خلال تشكيلات متوازنة طائفياً ستصدر بعد توقف دام 14 عاماً».
ويشير درغام الى أنّ «اللقاء مع عثمان كان جيداً واستتبعته لقاءات بعيداً من الاعلام وتوصّلنا الى نتيجة ترضي الجميع بحيث التقينا عند منتصف الطريق».
عملياً التغيير المنشود، في هذه الحال، سيطاول غالبية المراكز باستثناء قادة المناطق الموزّعة مناصفة.
وفيما تُطرح تساؤلات جدّية عن مدى إمكانية صدور هذه التشكيلات قبل ولادة الحكومة، مع العلم أنّ تعيين ضباط بالأصالة لا يحتاج الى موافقة مجلس الوزراء، يشير درغام الى أنّ «هذه التشكيلات ستحصل على مرحلتين، المرحلة الاولى قد تتمّ قبل ولادة الحكومة، وتعكس الترجمة الأوّلية لمبدأ المناصفة، خصوصاً إذا حصل مزيدٌ من التأخير في تأليف الحكومة. أما المرحلة الثانية فستشهد الجزءَ الأكبر والمتبقّي من التشكيلات وستكون سريعة».
كذلك يشير درغام الى أنّ «إتفاقاً حصل أيضاً مع اللواء عثمان على ممارسة رئيس الأركان العميد نعيم شماس صلاحياته من دون تخطّي رؤساء الشعب هذه الصلاحيات».
وفيما لم تشمل لقاءاتُ درغام أيّاً من مسؤولي حركة «أمل» أو «حزب الله»، فإنّ المعطيات تفيد أنّ الأعضاء الشيعة في مجلس القيادة قد منحوا موافقتهم على مبدأ المناصفة، فيما لم يصدر حتى الآن أيُّ موقف سلبي من الثنائي الشيعي حول هذه التسوية.
لكنّ مطّلعين يشيرون الى أنّ تكريس المناصفة أو إنتقال مراكز معيّنة من طائفة الى أخرى يصطدم بوجود عوائق جدّية قد تُظهر ممانعة لتخلّي طائفةٍ ما عن مركزٍ ما كرّسه العُرف لها بحكم الممارسة إلّا مقابل بديل آخر قد لا يكون متاحاً، كما أنه قد يصعب تنفيذ «التبادل» بسبب حساسيات طائفية في بعض المناطق!
درغام يجزم في هذا السياق «هذا سببٌ إضافي لإجراء توزيعات جديدة متوازنة في المناطق تكسر إحتكارَ ضباط من لون طائفي معيّن في مناطق من اللون نفسه».